عندما تدرك أنك ستسلم أمانة روحك التي استودعك الله إياها، فكيف تتمنى أن تكون نهايتك؟
لا شك أنك تتمنى أن تودع دنياك وقد أبقيت لك في كل مكان تغشاه ذكراك ذِكراً حسناً، وفي لسان كل من عرفك ثناءً طيباً.
بالأمس القريب كنت في سفر قصير، وخلال الساعات التي قضيتها خارج الإمارات، حيث أقيم مع زوجتي وأطفالي، بلغني نبأ وفاة الشيخ زايد رحمه الله، وعندما عدت إلى دبي بعد النبأ بساعات، كان الوجوم سيد الموقف، والحزن يلف الوجوه، والألم يكسو التقاسيم، في الناس والشوارع والأجواء، حتى كتابة هذا المقال، وأظنه سيطول أكثر.
قالت لي زوجتي إنهم كانوا يصلون التراويح في أحد مساجد دبي، وقبل الشفع قال الإمام إن نبأ وفاة زايد قد باغتهم، فتعالى صياح في المسجد وبكاء المصلين من الجنسين وعويلهم، وهم ينتمون إلى كل الجنسيات، واستأثر الراحل بدعوات المكلومين بغيابه في وتر ليلتهم تلك وقبلها وبعدها، ولم تجف الدموع حتى بعد أن غادر المصلون المسجد.
الأربعاء كنت في مكة المكرمة، فقال لي الإخوة إن المصلين في الحرم المكي الشريف كانوا يعزون بعضهم بعضاً، وقد بلغ فيهم الحزن مبلغ الألم على رحيل زايد.
قالت لي زوجتي إن سائقنا الهندي الذي قضى في الإمارات بضع سنين، كان يبكي بمرارة، وعندما سأله أطفالي عن السبب، قال: مات أبو الناس كلهم!
الأطفال أحسوا بالصدمة، وتأثروا برحيل وجه ارتبط في أذهانهم بالعطاء والسماحة، فانضموا إلى ركب المتأثرين بغياب زايد وحق لهم.
كان الناس مهيئين لخبر وفاة زايد رحمه الله، فقد علم الجميع بأن صحته قبل وفاته في تراجع، لكنهم التفكير الرغبوي كان مسيطراً عليهم، ولهذا كانت الفجيعة أقوى من التهيئة.
وانتقل من المشاعر، إلى مطلع المقال، فأعود للسؤال المُلح: ماذا يمكن أن يحقق زعيم في هذا العالم على الصعيد الشخصي والسياسي أكثر مما يلي؟
-19 رجلاً يحملون اسمك، يتسابقون على أطيب الأفعال، أصغرهم يلهج بالدعاء لك، فكيف بأكبرهم؟!
– بلد مستقر سياسياً، صنعت يداك معالم استقراره، وحاكت أناملك ثوب وحدته وقوته.
– رخاء اقتصادي ينعم به شعبك الذي أجبرته أفعالك على أن يحبك، فلم يجد أكرم من الله ليجزيك عنه خيراً، فبات يلهج بالدعاء لك والثناء عليك، وفي الأثر: انتم شهود الله في أرضه.
– تسعة عقود من العطاء والمحبة وإشاعة الألفة بين قومك والناطقين بلغتك والمنتمين إلى أمتك.
– وساطات لرأب صدع هنا، وجبر كسر هناك، ومن بخل بجاهه، فقد فقـَد خيراً كثيراً، فما بالك بمن ألغى مفردة البخل من قاموسه، واستبدلها بالعطاء.
لذلك كله، والكثير غيره، زاد زايد، فأحبه القاصي والداني…
رحمك الله يا زايد، فقد رحلت وأحسبُ أنك لاقيت وجه ربك دون أن تُخلِّف من يحمل عليك ضغينة، وإذا كان أمر كهذا شاقاً بالنسبة لآحاد الناس الذين يعيشون كفافاً معتزلين الخلطة والحياة العامة، فكيف به في حق الزعماء الذين يعيشون مجبرين أو مختارين في وسط معمعة هموم الناس، ويخوضون أوحال السياسة.
جميع الحقوق محفوظة 2019