أما وقد هدأت معركة الاختلاط التاريخية في السعودية، ووضعت الحرب أوزارها بين تيارات متعددة، واختفت السيوف في أغمادها، ورجعت الفلول إلى كهوفها، أما وقد حدث كل ما مضى، فقد آن الأوان لأن نقف بشكل أكثر موضوعية مع تلك المعركة، وأن تتحول تلك المعركة إلى مجال لاستلهام الدرس التاريخي منها، والعبّ من عبرها الاجتماعية. وأحسب أنه من الضروري أن تكون تلك الجلبة الفكرية والفقهية في حيّز الاهتمام الأكاديمي.
كانت المعركة حامية الوطيس، وكل طرفٍ يقول للآخر: “حم لا ينصرون”، وكل إنسان يودّ لو أن رأيه ينتصر على الرأي الآخر، وكل تيار يتمنى قهر التيار الآخر، عليّ أن أعترف أن الكثير من الطروحات تلك كانت مشحونة بسخونة ظرف المنازلات. غير أن أمراً أساسياً نسيناه، ألا وهو جانب المفارقة. فمن جهة من يدعون إلى فتح المجال للاختلاط من التيار الليبرالي ليسوا جميعاً على استعداد لتطبيقه لظروف تكوين الإنسان نفسه ذهنياً ونفسياً ولسطوة العادات التي غالباً ما تكون أقوى من الادعاءات. لهذا فجزء غير قليل من دعاة فتح مجال الاختلاط، ودعاة نزع الحجاب لا يستطيعون تقبّله من نسائهم، بل على العكس ربما وجدت من الدعاة من هو أكثر تسامحاً مع عائلته من بعض الذين يدّعون الانفتاح.
ومن جهةٍ أخرى نقرأ في تاريخ الإسلاميين من يطبّعون مع الاختلاط. قرأتُ قبل أيام عن الاختلاط في تجمعات الحركات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، كانت الاجتماعات بينهم مختلطة وما زالت، وهو اختلاط غير عارض، وغير معترض، وإنما اختلاط خطط له، وعمل عليه. لم تكن هذه كارثة بالنسبة لهم، كما لم تكن علامة انفتاح أو معاصرة بالنسبة لمن يراقبهم. ويكفي أن الدكتور باقر النجار أثبت هذا في كتابه عن الحركات الدينية في الخليج. حيث تجتمع كوادر الإخوان المسلمين في جلسات مختلطة بالسعودية، وليس في مكان آخر!
قال أبو عبد الله غفر الله له: نحتاج إلى رصد طويل للمتناقضات التي يعتاش عليها شبح الخصام في السعودية بين التيارات. هناك الكثير من اللغو في أحاديثنا. والكثير من الغلو في معاركنا. ولو أنصتْنا إلى أصواتنا بعد هدوء المعركة لربما شعرنا بكثير من الخجل!