“لو أن شيطاناً تشكل على شكل جاموسةٍ ثم سقطت وأكلها الناس، جاز أكلها أم لا؟ جاز أكلها”!
هذه الفتوى صدرت عن الشيخ: محمد الزغبي على إحدى القنوات الفضائية، وطارت بها المواقع تحت عنوان: “حكم أكل لحم الجن”، وهذه الفتوى تأتي ضمن حالة “غرائب الفتاوى” والتي حفلت بها القنوات الفضائية والإذاعات منذ عقدٍ كامل مع ثورة الفضائيات وصعود الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. حين كتبتُ عن تدريس “حكم أكل لحم الفيل” في بعض الجامعات، ظنّ البعض أن في تلك الكتابة مبالغة، لكن جاءت فتوى الشيخ الزغبي في حكم أكل لحم الجن لتبدد كل ظنٍ بوجود أية مبالغة فيما نتحدث عنه، بغية إصلاح الفتوى وحراستها من أناسٍ يسيئون إليها وإلى معناها أكثر مما ينمونها ويخدمونها، وهذه من آفات دخول من لا يفقه في غير فنّه ليأتي بالعجائب!
غرائب الفتاوى هذه تذكرنا بالتشقيق في الفتيا والتي تزدهر مع عصور الانحطاط دائماً، كما يذكر المؤرخون، حيث يبتعدون عن التأصيل والكليات الشرعية والمقاصد والمعاني الكبرى للشريعة، ليدخلوا في دوامات التشقيق والمبالغة في تشريح مسائل ليست واقعية أصلاً، بل هي افتراضية. الشيخ الزغبي بعد أن ذكر آية:”إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم” جاء بهذا المثال الافتراضي أصلاً، إذ لم نعلم عن إنسيّ أكل لحم جنّي، وإن كان استدل بحديثٍ لا أدري عن صحته وهو :”إن الإبل خلقت من الشياطين”، ولم يجب على سؤال المذيع حين تساءل عن أكلنا للإبل هل هو أكل لشيطان. إن فتوى الزغبي هذه تسيء إلى الفتيا والشريعة ولا تخدمها أبداً.
كان الأولى بالدعاة والوعاظ أن تكون لديهم أساليبهم الحكيمة في الوعظ والإرشاد، حتى لا تكون الفتاوى التي يطلقونها موضع تندّر من الذين لم يعلموا عن الإسلام إلا فتوى قتل ميكي ماوس، وفتوى أكل لحم الجن، وغيرهما من الفتاوى العجيبة الغريبة، كان العلماء الأوائل يحرصون على ما يمسّ واقع الناس ويبتعدون عن المبالغة في التشقيق الذي ينحّي الفتوى عن مسارها المعقول، إلى اللا معقول والغريب!
قال أبو عبدالله ـ غفر الله له ـ ورمضان تفصلنا عنه أسابيع، حيث تزدهر الفتيا ويرجع الناس إلى الخطاب الديني كغذاء يومي من خلال الوعظ والفتاوى، وما لم يضع الدعاة فكرة الابتعاد عن الغرائب نصب أعينهم فإن الشهر الكريم ربما يشهد فتاوى عجيبة غريبة مثل فتوى حكم أكل لحم الجن.