من بين الملاحظات التي أرصدها حول تعاملنا مع الفرح، أننا نسأل عن حكم الفرح ولا نسأل عن حكم الحزن والكآبة! هناك فرق بين المدن الساحلية والمدن الصحراوية بالنسبة للفرح، إذ كثيراً ماينجذب أهل الصحراء إلى التجهم والجدية في أخذ الأمور، ذلك أنهم ضيوف القدر، كما يعبر بعض الرحالة الفرنسيين، بينما سكان المدن الساحلية ارتبط تاريخهم بالصيد والغناء والأهازيج. غناء أهل البحر أكثر خفة من الحداء الجاد لدى أهل الصحراء. وكذلك سكان الجبل هم أقرب إلى الفرح من سكان الصحراء. إلى الآن الرقصات لدى أهل الجنوب فيها من الخفة والفرح أكثر من غيرها.
في هذه الأيام يشهد العالم كله مناسبة عالمية كبرى، هي عودة رأس السنة-حتى لا أقول عيد رأس السنة- وبكل سعادة وابتهاج يتراكض الأطفال، ويسعد الناس ويبتسمون للأمل، وينسون ما ينغص يومهم، يتعاملون مع أعيادهم بشكلٍ فرح. وإذا تذكرنا بعض مظاهر الأعياد التي نقيمها نجدها لا تختلف عن أي وليمة غداء أو عشاء في الأيام الروتينية. تجد الجلوس متحفزين، والشباب ينتظرون انتهاء “العيد” للرجوع إلى الاستراحة، وكذلك الفتيات اللواتي تم حبسهنّ من أي فرح أو بهجة وهذا شكل من أشكال عداء الفرح.
في داخل كل منا، مهما كبر ذلك الطفل الصغير الذي يحن إلى البهجة والفرح والأهازيج، أما الجلوس بالمشالح في مجلس طويلٍ عريض باسم العيد فلا أظنّ أن هذا مما يؤسس لثقافة الفرح في مجتمعي. العيد فرح وبهجة وغناء الأطفال وسعادة الفتيات. لا بد أن نكون فرحين بأعيادنا مثلنا مثل غيرنا من أمم الأرض.
أبرز دليل على علاقتنا المتوترة بالفرح أننا نسأل عن أحكامه، وعن أي شيءٍ يتصل به، لكننا لا نسأل عن الحزن والتوتر والاكتئاب، وكأنها هي الحالة الأصلية والأساسية والطبيعية! وبقراءة الكتب التي تسرد سيرة أهل المدينة “يثرب” الذين عاصروا خير القرون نقرأ كثيراً عن الفرح واستخدام الدفوف للتعبير عنه، وكذلك كانت الحياة إلى أن توترت العلاقة مع الفرح وصار الفرح طارئاً والجمود والخمول والشحوب والحزن هي الأصل!
قال أبو عبدالله غفر الله له: الحياة جميلة وحلوة تستحق منا الفرح، اسألوا عن أحكام الحزن ولا تسألوا عن أحكام الفرح، فلا تبخلوا على أنفسكم بأي فرحةٍ أو بهجة مع أطفالكم وبناتكم، هذه هي الحياة.. الحياة فرح.