الكثير من الناس لحسن الحظ بدؤوا يتساءلون عن سبب التخلف. ولعل أكثر الأسئلة نخبوية وأكثرها شعبية في نفس الوقت سؤال النهضة والتنوير: لماذا تقدم غيرنا بينما تخلفنا نحن؟
هذا السؤال البسيط والمباشر هو محور اهتمامات الكتاب والمفكرين والتنمويين في العالم العربي كله. بل صار عنواناً لكتب كثيرة. من كتاب: “كيف ذلّ المسلمون” لعبدالله القصيمي، إلى كتاب أبي الحسن الندوي “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” إلى “لماذا تقدم الغرب وتأخر غيرهم” لشكيب أرسلان، كلها تحاول مقاربة جواب يشفي الغليل. لكن على ما يبدو أننا ندور حول السؤال ولا ندخل فيه.
فمن قائل إن أزمتنا من الساسة، إلى من يرى أن المشكلة في المجتمعات، ويختلف البعض بين من يراه مشكلة ثقافية أو دينية. وتتوزع الإجابات تبعاً لتحديد المشكل. لكن السؤال لم يغادر الأذهان بعد. كلما سافر الإنسان إلى أوروبا أو أمريكا يبغته السؤال، هل نحن نختلف عن غيرنا في التكوين، ما الذي يجعلنا نصل إلى هذا المستوى من التخلف والانحطاط.
من آخر ما وقع في يدي كتاب المترجم والباحث: هاشم صالح الأخير المطبوع عن دار الساقي 2010 الذي حمل اسم: “معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا”. هذا الكتاب برغم بساطة أسلوبه وكونه كتاباً يصلح لأن يكون مقرراً في المدارس، أو متاحاً في البيوت، إلا أنه حمل قصصاً جميلةً عن عصر الأنوار في أوروبا.
المفارقة أن هاشم صالح يطرح حقيقة مفجعة حينما يرى أن البحث في تاريخ الأنوار صار بالنسبة للمثقف الأوروبي جزءاً من التاريخ بينما هو في العالم العربي مشروع لم يدشّن بعد. يقول في ص13 من الكتاب: “أصبح التنوير بالنسبة إلى المثقف الأوروبي المعاصر مسألة تاريخية أي في ذمة التاريخ… أما التنوير بالنسبة للمثقف العربي فهو مسألة حياة أو موت، وجود أو عدم وجود”.
قلتُ: هل سنتمكن من وضع مواد تعنى بدراسة أفكار أخرى بديلة، لندخل شيئاً فشيئاً عصر الأنوار الذي نتمناه، لنضيء أنوارنا الخاصة، بأسلاكنا الخاصة… بكهربائنا الخاصة؟ هذا ما يتمناه كل عاقل!