أرسل إلي صديق لبناني قبل أيام رسالة هاتفية نصية من جنس المضحك المبكي! كنت حاولت الاتصال بصديقي بعد اندلاع الهجوم الإسرائيلي على لبنان، لأطمئن عليه وعلى عائلته، بعد أن انخرطنا بنوبة اتصالات بكل من نعرف أنه قرر أن يقضي الصيف في لبنان لنطمئن على سلامتهم. اطمأننا على الجميع، وتألمنا على تحويل لبنان البلد الجميل، طبيعة، وجغرافية، وحياة، وإنساناً، إلى بلد منكوب، كما صرح بذلك رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة. بعد ذلك بيومين جاءتني رسالة صديقي تقول: “إيران وسوريا قررتا مواجهة إسرائيل، حتى آخر لبناني!”. وبالرغم من السخرية المكثفة، في هذه الرسالة القصيرة، التي تعرف حد الضحك، على الجرح الغائر، إلا أنها توشك أن تلامس واقعاً سياسياً حقيقياً. فالحرب التي تدور رحاها بين إسرائيل و”حزب الله”، وبرغم كل البشاعة التي تمارسها إسرائيل، إلا أنها معركة عظم بين تل أبيب من ناحية، ودمشق وطهران من ناحية أخرى، بدلالة التصريحات المتكاثرة إيرانياً، بتحذير إسرائيل من ضرب سوريا! جميل أن يحرص الإيرانيون على سوريا، ولكن هل لبنان أرض مستباحة؟! إن هذا هو منطق أن يحذروا إسرائيل من ضرب سوريا، ويستمتعوا بما جره اختطاف “حزب الله” لجنديين إسرائيليين، للبنان من قتل وتدمير للبنى التحتية، وعزل عن العالم الخارجي! بالأمس كنت أتابع برنامجاً تلفزيونياً يحاول أن يغطي الهجوم الإسرائيلي على لبنان، وبعد أن ألقى محلل عسكري من دمشق، وهو بالمناسبة ضابط سوري متقاعد، خطبة عصماء، أكد فيها أن كرامة العربي اللبناني لن تسمح له بحال من الأحوال بأن يتوقف عن مواصلة الكفاح المسلح، ومواجهة العدو الصهيوني المتجبر. نقلت المذيعة الحديث إلى ضيفها من القاهرة، فقال كلاماً قريباً من كلام صاحبه الدمشقي، فعادت إلى ضيف ثالث كان في بيروت، فسألته رأيه؟ فقال: أحيي الأخوين الكريمين على حرصهما على كرامة الشعب العربي، ومواجهة إسرائيل، ولكني أتساءل لماذا لا يفتح الأخوة العرب جبهاتهم مع إسرائيل؟! لماذا لا تصبح الجبهة هي الجولان أو سيناء، وليست لبنان؟! لماذا لم تطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل من صوب الجولان المحتل؟! لا نريد رصاصة، بل يكفينا حجر واحد، ونحن سنستجيب لهذا الحجر، وسنتداعى له، ونؤيده ونناصره وندعمه بكل ما أوتينا من قوة! انتهى وقت البرنامج عند منطق المحلل اللبناني، وعاد هو ليرى الدمار يحيط ببلده، بينما عاد بقية الضيوف ليحرضوا اللبنانيين على مزيد من القتال في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية الضاربة… إلى آخر لبناني! مسكين هذا اللبنان، فقدره رغم عظمته، إنساناً، وحضارة، وثقافة، أن يكون مفعولاً به، وليس فاعلاً! قدره أن يقرر “حزب الله”، لا حكومته، أن يدخل البلد حرباً مفتوحة، حتى العظم! قدره أن يعتقد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله أن أسر جنديين إسرائيليين، يعادل قتل مئات اللبنانيين، وتدمير لبنان، وإنهاء بنيته التحتية، وتكسير ركبه، وقصف رقبته! حسناً، نحن نعلم عجرفة إسرائيل وعدوانيتها منذ الخمسينيات، ولكن هل العقل أو المنطق أو السياسة أن تعطى هذه الفرصة التي كانت تتحينها… ثم نقول إن في حكومة أولمرت… مجانين!
جميع الحقوق محفوظة 2019