هل العقل ضد الدين؟!
شغل هذا السؤال أذهاننا، ولم نكن بدعاً في ذلك بل لقد كان السؤال شاغلاً الفلاسفة المسلمين منذ القدم. وابن رشد كان ممن تصدى للإجابة على هذا السؤال، ودخل على خط النقاش الغزالي أيضاً. لدينا في العصر الحاضر علماء دين صاروا يعتبرون هذا التعارض مجرد وهم. من بين هؤلاء السيد: أحمد القبّنجي الأمين العام للتيار الإسلام الليبرالي في العراق الذي يرى في أطروحاته: “أن الدين ضروري للمجتمع وللإنسان وكذلك العقلانية التي غُيّبت على مدى قرون”. كما يعتبر “الحاجة إلى العقل مثل الحاجة إلى الدين”.
يعني أنهما يتكاملان ولا يتنافيان. شغل الكثيرون بمحاولة إثبات خصومة بين العقل الدين، فتجدهم يحاربون العقلانية ويخشون التعقّل، وكأن العقل بات عندهم سبّةً. القبّنجي يعتبر العقائد من المسائل الذاتية، وأنها ليست موضوعية مثل الفيزياء، ذلك أنها تشمل التعبد كما يؤثر فيها المزاج والثقافة التي تمتزج مع ذاتية الإنسان، وأن العقائد ليست موضوعية لجهة صعوبة الاستدلال عليها بالأدلة العقلية، ولهذا اختلفت العقائد على عكس القضايا الفيزيائية والرياضية. السيد القبّنجي يمزج في طرحه بين الدين والعقل بين الفقه والفلسفة بين التاريخ المدوّن والنقد الموضوعي للتاريخ.
وبالرغم من أن السيد أحمد القبّنجي الذي يعتمر على الدوام عمامةً سوداء، تؤكد نسبه للبيت النبوي، تلقّى العلم التقليدي في الحوزة في “قم”، مع أنه عراقيّ الولادة والمنشأ، إلا أنه توصّل إلى رفض فكرة “ولاية الفقيه”، التي جاء بها الخميني، ذلك أنه يرى أن علماء الدين لا يجب أن يتدنسوا بالسياسة.
السيد الشيعي المنفتح يرى استناداً إلى أبحاثه ورؤاه صحة خلافة أبو بكر، معتبراً هذا الفكرة تبلورت لديه، منذ أن كان يتلقى علومه الدينية في الحوزة الإيرانية. يقول: “إن الخلافة والحكم من حق الناس وإن المشروعية تعطى من الناس إلى الحاكم حتى يسير بهم وفق العدالة”.
لا يرى القبّنجي تعارضاً بين النصوص الإسلامية والديمقراطية. وفي الوقت الذي يمكن اعتبار أفكار الرجل صادمة لكثيرين إلا أنها تستحق النظر والتأمل وهما لا يعنيان بالضرورة الموافقة.
قال أبو عبدالله غفر الله له: يجب أن لا تخيفنا الأفكار، وأن لا ترهبنا الأطروحات التي لم نعتد عليها، فالفكر سوق، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.