تخوض المجتمعات دائماً حرباً لحراسة التقاليد، تمانع ضد مالم تألفه، وتقاتل بشراسة كل المظاهر التي لم تعتد عليها. وقد كانت المجتمعات العربية مثل غيرها، تقاوم المرأة وتحاربها بوصفها عيباً، وإذا عدنا إلى تاريخ سحيق مضى سنرى كيف وبّخت الآيات القرآنية العرب على تعاملهم المستنكف مع المرأة، حيث كان يتوارى من يرزق بأنثى عن أنظار الناس، متردداً أيتعايش مع هذا «العيب» على هونٍ، أم يدسّها في التراب!.
الفرق أن هناك مجتمعاتٍ تجاوزت تعييب المرأة ووصلت إلى فضيلة أنسنتها، والتعامل معها كصنو للرجل مثلاً بمثل، سواء بسواء. هنا تكون قيمة أي مجتمع. وقد دأبت الإمارات منذ تأسيسها على تعبيد الطريق أمام المرأة ليكون سالكاً لوصولها إلى الريادة والقيادة والتأثير.
قبل أيام احتفلت الإمارات بيوم المرأة العالمي، الشيخ محمد بن راشد، غرّد قائلاً:«نحتفل بيوم المرأة الإماراتية، شريكة التنمية، وصانعة الأجيال، وأم الشهداء، وفخر الإمارات، وعديلة الروح. اليوم، ثلثا موظفي الحكومة نساء، وثلثا خريجي جامعاتنا الوطنية نساء، وثلث مجلس الوزراء نساء، نحن لا نمكن المرأة، نحن نمكن المجتمع بالمرأة، أقول لهن، أنتن الأجمل والأفضل والأقوى، ودولتنا ستبقى الأجمل والأفضل والأقوى أيضا بعملكم واجتهادكم، حفظكم الله وحفظ أم الإمارات لنا ولكم».
أما الشيخ محمد بن زايد، فذكّرنا:«بأن تاريخنا عريق بإسهامات المرأة وحافل بقصص النجاح والتضحية ودورها اليوم مكمل لهذه المسيرة العطرة ونحن على ثقة باستمرارها وتطورها».
المرأة الإماراتية شكّلت نموذجاً بارعاً للقيادة في شتى المجالات، وذلك بدعمٍ من أم الإمارات الشيخة فاطمة بنت مبارك، والقادة من رجالات الدولة، ونتذكّر أنه وقبل أيامٍ قليلة فقط من يوم المرأة الإماراتية كان الشيخ محمد بن زايد يحتفل بتخريج دفعةٍ من مجندات الخدمة الوطنية، وتضمنت الدفعة ابنته وحفيدته، وهي مبادرة حقة أن يكون الحكّام هم من يشكلون نماذج قيادة التغيير في مجتمعاتهم.
وذلك للإلحاح على إقناع المجتمع بأن الذي نقوم به أمر حيوي ومدني، ومن ثم يرى الناس الحكام وقد امتثلوا التغيير الذي يريدونه لأهلهم ومواطنيهم، هنا تكون الزعامات الحقيقية التي أثرت في شعوبها تاريخياً.
احتفال المرأة الإماراتية لم يكن إنشائياً أو خطابياً، بل ثمة نماذج على الأرض، وزيرات ناجحات، يمثلن أجيالا مختلفة يتعاهدن الشباب والتجارة والسعادة والتعليم وغيرها.
وغيرهنّ الكثير في صفوف الطيران، والطبابة، والتعليم، والعلوم الطبيعية، وبحوث الفضاء، وسواها كلها تدخل المرأة ضمنها مبادرةً ومشاركةً ورائدة. هذه هي الفكرة أن اليوم العالمي هو لتبيان وسرد إنجازات المرأة، وليس للخطابة عن أهمية دور المرأة بينما هي مقيدة الحركة مكتوفة اليدين!
«نحن لا نُمكّن المرأة، نحن نمكن المجتمع بالمرأة»،هكذا يقول الشيخ محمد بن راشد، إذ يبدو لوهلة أن تمكين المرأة فيه فعل تفضل أو عطاء أو منحة، أما تمكين المجتمع من خلال تمكين المرأة، فهو معرفة للمقصد، دون انشغال عنه بالوسيلة، ولذلك كانت الدنيا امرأة!
لقد عشت قرابة العقدين في الإمارات العربية المتحدة، رأيتُ فيها بالفعل في الدوائر والأماكن الحكومية التي أزورها والندوات والدواوين التي أرتادها أن المرأة لم تكن خارج سياق التنمية في هذا البلد، لقد كان الحكّام منذ الشيخ زايد لا يرون في المرأة ما يعيقها عن الإقدام، بل كانت نبراساً في الإسهام العملي والعلمي، هذه هي الأمم حين تقرر حفر الصخر، وامتطاء ثبج بحار التغيير بكل شجاعة، فالمرأة القوية، تصنع مجتمعاً.