بينما يفرح الناس، ويتقافز الأطفال فرحًا، وتحتشد الجموع شغفًا بالحياة والمتعة، ثمة من يتربّص اللحظة. قبل يومين من مباراة السعودية والإمارات ضمن تصفيات كأس العالم 2018، يشترك سوري وسوداني مع باكستانيين، لغرض تفخيخ سيارة تلتهم أجساد الحاضرين بعد ركنها في مواقف ملعب الجوهرة، وسط حضور أكثر من ستين ألف متفرج.
ذلك ما أعلنته وزارة الداخلية قبل أمس. على الضفّة الأخرى تم القبض على خليّة «شقراء»، المكوّنة من أربعة أشخاص هم: أحمد المعيلي، وعبد الله العصيمي العتيبي، وعبد العزيز الدعجاني العتيبي، ومجاهد الرشيد. يقود هذه الخليّة عبد العزيز، وهو الذي يفاوض قيادة التنظيم بغية استهداف مواقع أمنية مختلفة في الرياض، وتبوك، والشرقية. بموازاة الإرهاب السني، وضعت الأجهزة الأمنية يدها على خليّة في القطيف، مكوّنة من تسعة سعوديين وبحريني.
تلك الخلايا تبيّن مستوى التحدي الذي تعيشه دول الخليج، إذ ما تلبث التنظيمات المتطرفة إلا أن تجدد من أساليبها بغية إيجاد ثغرةٍ، لتنفيذ عمل «جوهري» يتجاوز تفجير المساجد، واغتيال رجال الأمن.
القصّة الأهم والفاجعة الأكبر للسعوديين والإماراتيين، هي تفجير الملعب: دولتان حليفتان، وشعبان متداخلان، الهدف مؤسس ومنظّم، شرخ هذه العلاقة بأي طريقةٍ، حتى إن كان بسيارةٍ مفخخة، تنسف أكبر عددٍ ممكن من الحاضرين. إرهاب يجمعه هدف واحد، القتل الممنهج، من إرهاب نوري المالكي، إلى أيمن الظواهري، وليس انتهاءً بأبو بكر البغدادي، وعبد الملك الحوثي.. كلها وديان من رصاص موجهة إلى السعودية، ولم تسلم منها حتى المدينة المنورة وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو مكة المكرمة، وبالسؤال عن الأهداف المراد تحقيقها من هذه الخلايا متنوّعة المنابع، من شيعي، وحوثي، لآخر سني؟!
يحاول الإرهاب الشيعي أن يحشد ميليشياته من أجل الانتقام من دعم السعودية للمعارضة المعتدلة في سوريا، وبتشجيعٍ من النظام السوري، ونوري المالكي، والنظام الإيراني، يتم التجنيد المستمر، الأهداف مدنيّة، مقهى رئيسي في جزيرة تاروت في القطيف، ومساجد وحسينيات، كل ذلك بغية إشعال الفتنة الشيعية – السنية، وتدشين حروب ومعارك ضارية، أو تحريك اضطرابات وإيقاظ المظاهرات. هناك رغبة في إيقاد كوامن الأحقاد بين السنة والشيعة في الخليج، وخصوصًا في السعودية والبحرين. الإرهاب الشيعي يريد الاقتصاص من السعودية التي تدعم المسلمين المعتدلين في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهي رأس الحربة ضد المشروع الإيراني، وتحاربه من دون هوادة في اليمن.
الإرهاب المنتسب إلى السنة، استراتيجيته واضحة، «إدارة التوحش»، و«المنفيستو» الذي كتبه أبو بكر ناجي، اسم مستعار، يرجّح أن كاتبه منسق الشؤون السياسية والاستخباراتية في تنظيم القاعدة محمد خليل الحكايمة، وقيل إنه لأبو مصعب السوري على احتمال آخر، خلاصة النظرية: لا أهداف محرّمة، الواقع مستباح، الكتاب هذا تطوّر تأثيره الخطير إلى تنظيم داعش، تم تطوير الأفكار فيه لجعل النتائج أكثر توحشًا وإرهابًا، ورغم أنه يدرّس في كلياتٍ عسكرية أميركية لفهم عقل الإرهابي، غير أن الخلاصة الكبرى فيه أن التكتيكات كلها تصبّ على المجتمع نفسه، لا رجال الأمن فقط، ولا «المشركين في جزيرة العرب»، بل يستهدفون مسرحًا كما في باريس، التي حاولوا أيضًا تفجير ملعب فيها، وكذلك الأمر في التجمّعات التجارية، والآن في مدينة رياضية من أضخم المدن الرياضية في المنطقة.
أما الإرهاب الحوثي فهدفه قلب اليمن، وتحويله إلى امتدادٍ استراتيجي وجغرافي لإيران، وطمس هويّة اليمن التاريخية، تم تأديبه بعواصف الحزم، يشترك مع «داعش» في: التوحش، وإدارة الهلع. وزارة الداخلية السعودية لم تستبعد التواطؤ بين الحوثي و«داعش» في حادثة «تفجير الملعب»، وهذا غير مستبعد مطلقًا.. ألم يرسل صاروخًا لتفجير مكة واستهداف الكعبة؟!
اختلفت أسماء الإرهاب، ومراجع الخلايا، وأسس المذاهب، غير أن القتل، والتوحش، واستهداف المقدسات، وقتل المدنيين، كلها صيغ مشتركة بين هويّات الإرهاب المتعددة، والضحية دول الخليج، هذه اللآلئ المضيئة في زمن الدماء والأشلاء، وكم هي بقعة مبغوضة من بعض ثعابين الشرق والغرب.
جميع الحقوق محفوظة 2019