التعامل الإنساني هو الذي يميز المجتمعات الأخلاقية والمجتمعات التي تحتاج إلى دروس أخلاقية أكثر. وقد قيل: “إنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ ** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا”! وقد تابعتُ خلال الأيام الماضية الكثير من الأخبار حول العاملين أو العاملات، فوجدت من الأخبار العجب العجاب. كفيل يحبس راعي غنمٍ لسنواتٍ طوال، وأزواج يعذبون العاملات المنزليات.
آخر الأخبار طالعناها أخيراً أن أحد الكفلاء امتنع عن دفع راتب عاملةٍ منزلية لأكثر من تسعة عشر شهراً! وفي الخبر: “ألزمت شرطة منطقة حائل كفيل عاملة آسيوية بدفع مرتباتها عن 19 سنة بعد شكوى تقدمت بها ضده، وأوضح الناطق الإعلامي لشرطة منطقة حائل العقيد عبدالعزيز الزنيدي، أن الشرطة فرضت على مواطن بمدينة حائل تسليم عاملته المنزلية مستحقاتها المالية، والتكفل بإجراءات سفرها إلى بلدها، إثر بلاغ تقدمت به العاملة أفادت فيه أن كفيلها لم يسلمها رواتبها منذ 19 عاماً”!
وحول هذا الخبر لدي ملاحظتان، الأولى: أن التعامل مع العاملة المنزلية لدى البعض ارتبط بالعبودية وتاريخية الجواري. الكثيرون من الكفلاء يحرمون العاملة من حقوق أساسية، مثل الإجازة الأسبوعية، أو استخدام الجوال، أو حقها في مهاتفة أهلها وأولادها، تدخل إلى البيت لتعمل لسنواتٍ طويلة ثم يرمونها في المطار، على طريقة أخذوها لحمة ولفظوها عظمة! ولا تسأل عن أساليبب التعاطي معها في البيت، من صراخ وزعيق وعويل، ومناداتها بالأوصاف المتعددة، كل هذا يحصل في البيت الذي يفترض أنه من البيوت التي تربت على الأخلاق والآداب! وإلا فكيف يعاملونها كجارية في زمنٍ رسخت فيه حقوق الإنسان وحقوق العمال؟!
الملاحظة الثانية أن كل بلدٍ يطلق على العاملة المنزلية وصفاً، فهي في لبنان “الصانعة” ولدينا “الخادمة” وتسمى أحياناً “الشغالة” وأستغرب من وصفها بالشغّالة حتى تذكّرني بــ”الغسّالة” على صيغة فعّال! وكأنها مكينة أو طاحونة أو أداة تقطيع الخضار، نازعين منها الوصف الإنساني الحقيقي الذي كفل لها قانوناً!
قال أبو عبدالله، غفر الله له: فلتكن الأخلاق هي حياتنا، فهي التي تختبر إنسانيتنا من عدمها، وأتمنى من الجميع البعد عن المسميات الاستعبادية، فلتكن العاملة المنزلية مناداة باسمها، أفضل من المناداة بالشغالة أو الخدّامة، فالإنسان له حقه وكرامته، واحمدوا الله على النعمة وإلا كان أجدادنا يعملون عند أجداد الهنديات اللواتي يعملن الآن لدينا، أفلا تتذكرون؟!