مع اشتداد وطأة الانتخابات الأميركية، وتصاعد الخطاب المتعلّق بالمسلمين، وتدفق اللاجئين السوريين إلى أصقاع أوروبا، وعلوّ صوت أحزاب اليمين، كثر الحديث من قبل المختصين والمهتمين عن المسلم المتسامح، والمسلم العنيف.
لم يبق مفكر تقريباً، إلا وله رأيه حول قضايا: (الإرهاب، الهجرة، والهويّة). بات هذا الموضوع سائداً ومتاحاً في الأكاديميات والصحف والمنابر الإعلامية. مكّنت سهولة وصول المعلومات والصور عبر الثورة التقنية، والسوشال ميديا، إلى شتى الثقافات والأمم، ما تسبب في استسهال تكوين الصورة عن الإسلام والمسلمين، ودائماً كان الصوت الأعلى والأكثر تطرّفاً هو الأقدر على لفت الأنظار!
جاء انتخاب صادق خان، عمدةً للندن حدثاً استثنائياً لدلالاته المهمة، فهو بريطاني الهويّة والهوى، وإن كان مسلم الجذور، باكستاني العروق، غير أن المؤسسات الأوروبية تستطيع أن تصهر الإنسان في ماكينتها، لمن أحسن الاندماج، وهكذا كان خان.
الفيلسوف والأكاديمي الفرنسي المعروف، برنارد هنري ليفي، وصف انتخاب صادق خان بـ»الانتصار الواضح« للإسلام المستنير، ضد الإسلام المتعصب، وشدد على أن: »ما نشهده الآن مع انتخاب خان ليس هزيمة للديموقراطية، بل انتصار للإسلام المتنوّر، القادر على استيعاب قيم المدنيّة. لذلك ينبغي للديمقراطية البريطانية أن تكون فخورة، ليس فقط لأنها رحبت بالإسلام، بل وأيضاً لأنها ساعدته على التأقلم«!
دأب الباحثون على تغطية »الإسلام الأوروبي« بوصفه نسيج وحده، وذلك تبعاً لتشكّل الظروف المحيطة، فالإسلام وتأويله وأدواته ومراوح خطابه في أوروبا يختلف كثيراً عنه في الرقّة أو كابل أو إسلام أباد وقندهار، هناك بيئة تحتضن المفاهيم وتغيّر منها، كما تؤثر أعمال المؤسسات المدنيّة الحوارية والإعلامية والتعليمية في سياقات التأويل والفهم، وهذا مألوف، لأن النص كائن حيّ، يتأثر بالمناخ والطبيعة والبيئة.
كما أنه يتكيّف ويتطبّع، ولا يمكن اعتبار الإسلام الأوروبي بالإجمال، مثل التأويلات الأخرى الناشئة بأماكن أقل جودةً في الحياة، وانضباطاً في القانون، ونضجاً لمفهوم الدولة والمؤسسات. من هنا كان الإسلام المستنير، بحسب برنارد هنري ليفي، علامته فوز صادق خان عمدةً للندن. عبر عن الإسلام المستنير، المسلم غير المناوئ، أو الممانع، والجامد في كهفه، بل المنفتح، المتعلّم، المندمج مع الثقافة المؤوية، والدولة الراعية المستقبلة.
بينما يخشى الروائي العالمي، أمين معلوف، على المسلمين من »تهشّم القيم وانهيار المجتمعات«، فالماء مهما كان صفاؤه، إذا ركد أسن، وكذلك المجتمعات، وتزداد المسؤولية مع المحفّزات الثلاثة للنقاش حول المسلمين، وهي: الهجرة، والإرهاب، والهويّة.
ينصح أمين معلوف بالهويات المنفتحة، بدلاً من »الهويّات القاتلة«، وفي أوروبا التي تؤوي مئات الآلاف من المسلمين اليوم، لا مفرّ من دعم »الإسلام المستنير« الذي أنتج صادق خان، وسواه، ولم يجعلهم سكّان كهوفٍ، يتقافزون في الظلام بحثاً عن موائد الدم!
بينما يتحدث الفيلسوف الألماني الأبرز، يورغن هابرماس، عن موضوع المسلمين في بلده بقوله: »هناك أساسٌ مشتركٌ يجب أنْ يقومَ الاندماج عليه، ألا وهو الدستور.
هذه المبادئ ليست منقوشة على الحجر، إنما يجب طرحها ضمن نقاشٍ ديمقراطيٍ واسعٍ، وأعتقد أن هذا النقاش سينطلق مجدداً لدينا. لابدَّ لنا من أنْ نتوقَّع من كلِّ شخصٍ نستقبله أنْ يلتزم بقوانيننا وأنْ يتعلم لغتنا. ولا بدَّ لنا فيما يخص الجيل الثاني على الأقل أنْ ننتظر منه أن يكون قد رسخ مبادئ ثقافتنا السياسيَّة عموماً«.
كل تلك الرؤى تبيّن مستوى حضور المسلمين في التحليل والتشريح، ذلك أنهم باتوا جزءاً من تلك المجتمعات، ومن الطبيعي أن يأخذوا حظّهم من الدرس، وهم ليسوا بملائكة ولا هم شياطين.