يعتبر الشيخ محمد مهدي شمس الدين من رموز الشيعة في لبنان، الذين حاولوا قدر الإمكان، ترسيخ فكرة الدولة في الفكر الشيعي، فهو ضد الرجوع سياسياً إلى الخارج، بل يعتبر لبنان هو المشروع، ويرفض أن يميز شيعة لبنان أنفسهم عن الآخرين في الأوطان التي يذهبون إليها. ولعل الكتاب الذي حرره غسان تويني تحت عنوان “الوصايا” من أهم المؤلفات التي توضح كم أن فكرة الدولة حاضرة في خطاباته التي يوجهها الشيخ شمس الدين، رحمه الله، لشيعة لبنان. وإذا سبرنا وصاياه بحثاً عن مدى تمكن فكرة ربط الشيعة في لبنان وغيره من الدول بالدولة من اهتمامه، نجدها واضحة، اقرأه وهو يقول:”أوصي ابنائي وإخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لايميزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم، لأن المبدأ الأساس في الإسلام، الذي أقره أهل البيت المعصومون عليهم السلام، هو وحدة الأمة، التي تلازم وحدة المصلحة، ووحدة الأمة تقتضي الاندماج وعدم التمايز”. هذه الوصية العميقة لو كانت حاضرة في ذهن كل الشيعة في لبنان وخارج لبنان لأثمرت عن وعي في حدود الانتماء، فالانتماء إلى سلوك ديني معين، لا يعني تأسيس مشروع مضاد للدولة القائمة. في النص الماضي يحذر من الانفصام عن المجتمع الذي يعيش فيه الفرد الشيعي تحت ذرائع متعددة، بل يطلب منه الاندماج في عمق الدولة والنظام الذي يعيش في كنفه. بل استطاع أن يفهم البعد السياسي الذي يمكن أن تلعب على وتره بعض الأطراف المستغلة للحماسة الدينية، حينما يحذّر في نصٍ آخر الشيعة، في كل أنحاء العالم، من الاندفاع “وراء كل دعوة تريد أن تميزها تحت أي ستار من العناوين من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمتع بها سائر الأقليات. إن هذه الدعوات كانت ولا تزال شراً مطلقاً عادت على الشيعة بأسوأ الظروف. الشيعة يحسنون ظروف حياتهم ومشاركتهم في مجتمعهم عن طريق اندماجهم في الاجتماع الوطني العام والاجتماع الإسلامي العام والاجتماع القومي العام ، ولا يجوز ولا يصح أن يحاولوا حتى أمام ظلم الأنظمة أن يقوموا بأنفسهم وحدهم بمعزل عن قوى أقوامهم، بمشاريع خاصة للتصحيح والتقويم، لأن هذا يعود عليهم بالضرر، ولا يعود على المجتمع بأي نفع، وقد جرت سيرة وسنة أهل البيت (عليهم السلام) على هذا النهج، ووصايا الإمام الباقر، والإمام الصادق، وغيرهما من الأئمة (عليهم السلام)، هي على هذا النهج”. ليس سراً أن المهاجرين من اللبنانيين بلغوا أكثر من أربعة عشر مليون مهاجر، ويتوزعون على مناطق العالم، بينما لم يبق في لبنان – بسبب الحالة الاقتصادية والسياسية – غير أربعة ملايين، لهذا أدرك الشيخ محمد مهدي شمس الدين، أنه من الضروري إسداء بعض الوصايا التي تحمي المهاجرين من الدخول في دهاليز مخالفة الأنظمة والاعتداء على سيادات الدول والمجتمعات. وبكل أسى، فإن تلك الوصايا لم تجد مجالاتها للتطبيق لدى بعض شيعة لبنان، ففي منتصف عام 2008 استضافت قناة لبنانية غسان تويني الذي جاء مصطحباً كتاب “الوصايا” للشيخ محمد مهدي شمس الدين، ولما قرأها تويني، بدا بعض السياسيين الشيعة كالملدوغ. إنها الوصايا التي يكرهها الذين لم يطبقوها، وأداروا ظهورهم للوصية، وامتثلوا لأجندات الدول الأخرى، قبل أجندة أوطانهم!
جميع الحقوق محفوظة 2019