لا أظن أن زمنا كثر فيه النقاش حول “عمل المرأة” مثل زماننا على طول التاريخ الإسلامي. لم يكن عمل المرأة بحد ذاته أزمة. كانت المباسط والدكاكين متاحة لها. وأكبر عاملة ومكافحة وتاجرة في تاريخنا الإسلامي هي زوجة خير الخلق خديجة بنت خويلد. والتاريخ كله يخبرنا عن الصحابيات اللواتي كنّ يشاركن في الغزوات ليساهمن في الدعم اللوجستي للجيش. هناك الخوف الذي ينتاب الكثيرين لدينا مع كل حديث عن المرأة عاملة أو دارسة أو مبتعثة، ويطالبون بحماية المرأة وحراسة المرأة والإقفال على المرأة، حتى لكأن الحكومة لا شغل لديها إلا معالجة هواجس الناس النابعة من وساوس نفسية لا حقائق فكرية.
المرأة في بقية الدول المسلمة تسنمت القضاء والإدارة والوزارة، ولم يكن لريادتها في المناصب أي أثر خاطئ على المجتمع، بل على العكس فجّرت المرأة طاقاتها في الأعمال التي أخذتْها على عاتقها. وإذا سمعنا عن قصص الحبس والحجز من قبل أولياء الأمور لبناتهم وعزلهنّ عن العالم نُصاب بالأسى والأسف. بعضهم يمنع عن بناته الدراسة والعمل، وإذا عملتْ أخذ جزءا من راتبها، بينما لا يأخذ ولا يستطيع ولي الأمر أن يأخذ من راتب الشاب هللة، لأنه يعلم أن الشاب يستطيع الاستغناء عن البيت كله، فجوازه بيده، ويستطيع أن يستقلّ بسكنه، لكن الفتيات المسكينات تضطرهن تصاريف الحياة إلى الاستسلام لأولياء أمور ظلمة يأخذون الكثير من راتبها جورا وظلما، وإذا توجهت إلى المحاكم نفوها وطمسوها وهددوها، وربما ضربوها وأضروا بها كما في القصص الجنونية التي لا تصدق عن قمع الفتيات واغتصاب أموالهنّ وياله من ظلم ما بعده ظلم هذا الذي يجري من قبل من يدّعون أنهم “أولياء أمور”.
لنكن صرحاء مع أنفسنا، وأتمنى من وزارة الشؤون الاجتماعية أن تضع لجانا وأرقاما مجانية لاستقبال الشكاوى الصامتة المخفية غير المعلنة، من معلمات وطبيبات يمنعن من العمل، أو طالبات يمنعن من الابتعاث أو الدراسة في الداخل حتى، وهذا ليس أمرا شاقا على الإطلاق، والمسؤولية كبيرة للغاية.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لا يقولنّ قائلٌ أن الظلم والعدوان على المرأة والفتاة ومنعها من الحياة من الدين في شيء، إنها خليط من التقاليد والعادات وإرث جاهلي قديم لم نتخلص منه حتى الآن، وآمل… آمل، أن نتخلص منه بمرور الوقت وسير الزمن.