هل الأب دائماً مع مصلحة عائلته، وتحديداً مع مصالح بناته؟!
الآباء هم الذين كانوا يئدون بناتهم في العصر الجاهلي، من دون رأفةٍ أو رحمة. اليوم عقليات بعض الآباء في العالم العربي لا تختلف عن عقليات الأب القديم في العصر الجاهلي. مع أننا نعيش كل صرعات القرن الحادي والعشرين المعرفية والتقنية والعلمية. كنا نستمع منذ الصغر إلى قصص الآباء الشرسين الذين يحولون بيوتهم إلى سجون منظّمة تضم – من بين ما تضم- أدوات للتعذيب والضرب والتنكيل. لكن لا نعرف إلى أين تلجأ تلك الأسر؟
نشرت الصحف قبل أيام أن محكمة خميس مشيط: “تنظر في دعوى تقدمت بها ثلاث شقيقات ضد والدهن يتهمنه بعضلهن عن الزواج حتى تقدم بهن العمر، وتبلع أصغرهن حاليا 35 عاما. وجاءت دعوى الشقيقات الثلاث ضد والدهن إلى المحكمة بعد استنفادهن جميع الوسائل التي ترغمه على تزويجهن، واستعن بعدد من الأقارب والشخصيات البارزة في المنطقة من مشايخ وعلماء دين وأعضاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أن والدهن ظل متمسكا برأيه ورافضا الرضوخ لتلك المطالب بحجة أنه أدرى بمصلحة بناته”!
قلتُ: بمعنى أن الحملة الساذجة التي تقول- بكل إطلاق- إن وليّ أمري أدرى بأمري، هي حملة ناقصة من صلبها. وبعد مرور سنة على إطلاقها ها هي آثار الرضوح المطلق لدرجة طمس الذات مع ولي الأمر تجرّ كل الخيبات والكوارث. ما هي الحكمة الخفيّة التي يتصف بها وليّ الأمر الذي يمنع تزويج بناته طمعاً في رواتبهنّ الزهيدة؟ إنه الحماس المفرط تجاه ترسيخ سلطة ولي الأمر من دون إدراك لعواقب ذلك. إن تحقيق استقلالية المرأة هو الحل لأن كل نفس بما كسبت رهينة. وفي القرآن: “وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه” والمرأة إنسان قبل أن تكون أنثى.
قال أبو عبد الله غفر الله له: رائعٌ فعل تلك البنات اللواتي دمر والدهنّ حياتهن، إن رفع دعواهنّ ضده بداية لإحقاق العدالة. فأولياء الأمور ليسوا دائماً أدرى بالأمور. الغريب أن الصحيفة ذكرت أن سبب عضل الأب لهنّ طمعه في 890 ريالاً تصرف لكل واحدةٍ منهنّ من الضمان الاجتماعي!
للأسف ومع مرور قرون مديدة على رحيل آخر عربي جاهلي، غير أن نسلهم الثقافي يتوالد باستمرار. قيم التخلف والانحطاط والسلطات المطلقة التي أعطيت لأولياء الأمور دمرت حياة الكثيرين والكثيرات. وحينما تنقرض الحلول لا يبقى لدى الإنسان سوى القضاء. وأنعم به من حلّ ففي العدالة راحة لنفوس الجميع.