آخر إبداعات محمد بديع -مرشد “الإخوان” الذي لم يجف حبر تعيينه بعد- حديثه الأخير الذي جزم فيه بضرورة أن: “يتخلى الرئيس حسني مبارك عن رئاسة الحزب الوطني الحاكم، وأن يشكل حكومة انتقالية، للإشراف على إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقرر لها في عام 2011”.كما طالب في مقابلته التلفزيونية أن: “تشكل هيئة عليا لوضع دستور دائم للبلاد”. هو تصريح لم يصدر عنه بوصفه رأياً شخصياً حينها سيكون رأياً فكرياً مقبولاً تكفله الحريات العامة، لكنه صدر عن مرشد لأخطر تنظيم سُني في العالم. يريد أن يفرض بالتهديد والوعيد المنهج الذي يجب أن تسير عليه البلاد. يروى عن حسن البنا كلمة، ونسبت للهضيبي مقولة:”أنتم دعاة لا قضاة”، لكن هذه الكلمة لم تدخل حيز التنفيذ لدى حسن البنا نفسه، فضلاً عن أن تكون ضمن أبجديات عمل المرشدين الآخرين الذين تلوه؛ وبخاصةٍ أن جماعة “الإخوان” في مصر وفي بعض الدول الإسلامية لديها تنظيمات مسلحة واضحة، كما في التنظيم السري، الذي صرح به عبد الستار المليجي القيادي “الإخواني” ولم يعد سراً. بل حتى مرشد “الإخوان المسلمين” نفسه لم ينكر وجود “استعراض” أمام رئيس جامعة الأزهر وداخل الحرم الجامعي عام 2006، بل اختلف في الشكل؛ فهو أنكر وجود: “ميليشيات عسكرية طلابية إخوانية تمارس تدريبات الكاراتيه والكونغ فو بهدف استعراض القوة”، وأثبت وجود استعراضات. ووصفها بـ”الاسكتشات” التي تتدرب على عروض مسرحية! تخيلوا مسرحية! تساءل الناس عن أسباب جدل الانتخابات داخل تنظيم “الإخوان”؟ بحسب كلام المليجي، فإن الخلافات التي كانت سائدة بين الجماعة، فإن عمقها كان يشكل الخلاف بين التنظيم السري، وبين هياكل الجماعة -يقول المليجي عن الخلافات وخفايا التأثير على تعيين المرشد- إنه:(هو نفسه الخلاف القديم بين التنظيم السري وطريقته في العمل وبين الجماعة وهياكلها المعلنة، المرشد العام ومكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية… أنا لا أحب تقسيم الجماعة إلى “إصلاحيين” و”محافظين” لأن الجميع هم من حيث النية يعتبرون أنفسهم مصلحين، فأنا لا أحب هذا التقسيم، وهناك في الحقيقة تنظيم سري قديم له طريقته في العمل، وله عقيدة يؤمن بها مجملها أنهم يؤمنون بإسلامية التنظيم وجاهلية ما عداه). إنني لا أعرف من الذي جاء بالمرشد العام الجديد محمد بديع أهو التنظيم السري، أم الجماعة وهياكلها، “اليمين” أم “اليسار”؟ لكن من خلال السياقات التي ذكرتها، وبحسب تصريحه الذي بدأت به المقالة، فإنه ربما يكون من فئة “الصقور” من جماعة “الإخوان”. كان البعض يظن أن انتخابه سيشكل بداية اهتمام الجماعة بالدعوة، لا بالسياسة، لكن الذي حدث هو العكس تماماً. “العريان” يرى أنه على: “الرغم ما تتسم به شخصية المرشد الجديد من تحفظ، وهو ما يجعله مختلفاً عن سابقه، الذي عرف بتصريحاته النارية، فإن “الإخوان” لن يتخلوا عن الاهتمام بالقضايا العامة، لأنها جزء من فهمهم للإسلام”. أظن أن المرحلة التي بدأها “بديع” مع الإرشاد ستكون حامية الوطيس، ذلك أنه طرح نفسه الآن كمرشد لمصر … لكل مصر، وليس مجرد مرشد لـ”الإخوان”، وهذه هي الخطورة أن يفرض التنظيم هيمنته الإدارية والسياسية والدينية، كنا نأمل أن تدخل جماعة “الإخوان” مرحلة تتسم بالحكمة بعد أن أنهت تلك المراحل المرتبكة، لكن تصريحات بديع تدل على أمور كثيرة، أقلها أن مستقبل قيادته للجماعة لا يبشر بخير. كنا نأمل أن تكون الجماعة بكل فروعها، سواءٌ في مصر أم في فلسطين، ملتزمة بتقاليد العمل السياسي وأدبياته، وأن لا تكون رهينة وأسيرة لقوى إقليمية تضمر الشر لمصر، ولغير مصر.
جميع الحقوق محفوظة 2019