من الجميل أن ترى الإنسان وقد أخذ على عاتقه التخطيط لمستقبله حتى بعد التقاعد. لأن مرحلة التقاعد غالباً ما تكون هي الاختبار للإنسان. والجلوس بلا عمل يهلك ويفتك. والإنسان بطبعه كائن متحرك لا بد له من عمل يؤسسه وشيء يتعلق به. سواء رعي ماشية، أو سقي حديقة وتعاهدها، أو حرث مزرعة. المتقاعد لا بد أن تكون رؤيته لمصيره واضحة. غالب الذين يتقاعدون ثم لا تكون لديهم هواية أو لا يتعاهدون هواياتهم تجتاحهم الأمراض النفسية أو الجسدية. الإنسان حين يتوقف يأسن ويمرض ويجمد، الحركة تحسن من صحته النفسية والجسدية. لهذا أعجبتني قصة الأبلة سمر.
هذه الأبلة كتبت قصتها الصحفية: وفاء أحمد في صحيفة “الوطن” قبل أمس، تقول وفاء عنها: “شهران فقط فصلا سمر العادل عن مسمّاها الوظيفي القديم “مديرة مدرسة” ومهنتها الحالية “بائعة مخللات”، إلا أن “أبلة سمر” كانت متيقنة من أمرين: موهبتها غير المستثمرة في صنع المأكولات، ووجوب أن يبحث الإنسان عن مهاراته المدفونة حين يتقاعد. وقبل 6 أشهر، حان موعد “أبلة سمر” مع مواهبها ومهاراتها المدفونة، إذ تقاعدت من التعليم وبدأت مرحلة جديدة من العمل “الخاص” تمثّلت في إعدادها “المخلل” وتجهيزه في زجاجات وبيعه على الأهل والأصدقاء بأسعار تتفاوت بين 25 ريالاً و45 ريالاً للزجاجة”!
باعت هذه المبدعة في هوايتها 7 آلاف زجاجة مخلل في أربعة أشهر! هذه المديرة التي تقاعدت تعمل بمساعدة أختها على هواية هي تستمتع بها، وبنفس الوقت تتكسب منها. فهي ناجحة عملياً، ومادياً. وهذه هي قيمة هذا الاعتناء بالهواية. صحيح أنها دفنت هواية التفنن بالمأكولات حين كانت منهكمةً بإدارة مدرستها، غير أنها كانت جاهزة للمرحلة التالية، إنها مرحلة إبداع المأكولات والمخللات تحديداً.
قال أبو عبدالله غفر الله له: التقاعد أيها السادة لا يعني الأفول، بل يعني بدء حياة عملية جديدة. النماذج التي رأيناها كثيرة تهتم بالهواية، وتنميها بعد الوصول إلى مرحلةٍ انتهى فيها عمل الإنسان بالوظيفة. شكراً يا سمر على هذا النموذج الإيجابي الفذ في التعامل مع مرحلة التقاعد التي لا يحسن استثمارها البعض.