من أبرز عوائق قبول المختلف في مجتمعنا الحرص على “المشاكلة”، أن يكون الزي واحداً، والشكل واحداً، والفكر واحداً، هذا العائق يحول الحياة الاجتماعية والعلمية إلى حياةٍ جامدة!
خطرت في بالي هذه الفكرة، وأنا أقرأ خبراً: أن مهرجان الجنادرية سيكرّم هذه السنة عالماً جليلاً وشيخاً من شيوخ الفقه المالكي وهو الدكتور: عبدالوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء. وهو ليس فقط من: “العلماء الوسطيين المعبرين عن مذهب الإمام مالك بن أنس، وله اجتهادات فقهية في سبيل رؤية شرعية أوسع”، كما وصفته جريدة “الوطن” أمس، بل هو من الذين أدخلوا التنوع في الفقه السعودي من خلال تأكيده على الأدوات الرئيسية لأن يكون الفقيه فقيهاً حقيقياً.
يقول أبو سليمان: “إنه من نافلة القول الحديث عن التأهيل العلمي للفقيه الذي يتصدى للقول والإفتاء في هذه الموضوعات والقضايا، وكفاءته في الدراسات اللغوية والبلاغية وإجادته لعلم أصول الفقه وقواعده… إلخ ما هو مدون في علم أصول الفقه، وفي غمرة الإغراق في التنظير والنظريات نسينا على فترة طويلة من الزمن ما نبه إليه بعض النابهين من الفقهاء من حث المتصدين للفقه والإفتاء بالأخذ بنصيب من العلوم التطبيقية الرياضية والطبية والهندسية، يقول العلامة شهاب الدين القرافي رحمه الله تعالى: وكم يخفى على الفقيه والحاكم الحق في المسائل الكثيرة بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة، فينبغي لذي الهمم العالية ألا يتركوا الاطلاع على العلوم ما أمكنهم”!
فهو يطرح التكامل الذي يجب أن يتوافر عليه الفقيه لأن يكون متصلاً بالعصر والزمن وبقية المعارف. فالعلم ليس حصراً على الفقه وإنما العلم هو ما يجعل الإنسان أكثر إنتاجاً وعمارةً للأرض التي استخلف الله الإنسان فيها.
كما أن الدكتور من الحكماء في أطروحاتهم، فهو لا يطرح ما يؤثر سلباً على المجتمع، أو ما يشوه صورة العالم، أو ما يهيّج العامة، بل يؤكد على أن: “الفقيه الفطن هو الذي ينظر بعين البصيرة إلى النتائج المستقبلية والاجتماعية والشرعية التي تترتب على مقالته، أو فتواه في تصرفات المكلفين، فلا بد أن يتحقق من سلامة النتائج، والتأكد ألا تتخذ مقالته أو فتواه ذريعة إلى باطل وجسراً إلى ارتكاب المحظور مراعياً في هذه الحالة الاجتماعية، والدينية بعامة، ملاحظاً توجه المكلف صاحب القضية من التزام أو تفريط”.
من أغرب ما وجدته أثناء رجوعي إلى بعض مقالات وكتابات عبدالوهاب أبوسليمان أن أحدهم لم يعرف عن الشيخ إلا أنه: “حليق، ويرتدي العقال”! قلتُ: وما أسوأ الأذهان التي تقيس علوم الناس ـ فقط ـ بطول اللحى، فقد شغل البعض بالشعر عن الشعور، واشغله حلق اللحية عن كل النتاج العلمي والحضاري للفقيه المجدد، أبو سليمان!