حسّ الفكاهة لدى السعوديين بات لا يُعلى عليه، من نكاتٍ عن الجاهلية، وصولاً إلى الحديث عن أجواء السعودية الغائمة في الشتاء، التي أطلقوا عليها وصف: “الأجواء اللندنية”، أحدهم يقول: “من كثر ما الجو لندني ركبت باب سيارتي الأيمن”، أي إنه أراد أن يقود سيارته من المقعد اليمين كما في بريطانيا، والآخر يقول: “من كثر ما الجو لندني يوم خرجت من البيت سويت (تشيك آوت)”، كما يفعل عادة مع الفنادق في زياراته للندن! فالنكتة السعودية حاضرة وهي تتطور كل يوم. مع ملاحظة أن النكتة السعودية ليست هنا، بالضرورة، كما في مصر مثلاً، نتاجاً لكبتٍ سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، بل معظمها ضمن التعبير عن المرح الاجتماعي الجميل.
الشتاء في السعودية جميل، ومن الملاحظ أن نفسيات الناس تصبح ألطف بكثير في الشتاء، فتنتشر الابتسامات، ويعم اللطف، وتسود الألفة، وتغيب منبهات السيارات، التي يبدو أنها صنو لدرجات الحرارة المرتفعة! صحيح أن البرد قارس وجاف فهو لا يداعب العظام، بل يمخرها مخراً، غير أن الاستمتاع بما لدينا يغنينا عن التأفف الدائم. أحياناً يكون نقد كل شيء لدينا وسيلةً من وسائل التنفيس المبالغ فيه. لدينا مميزات جيدة، والشتاء له طقوس جميلة، من إشعال الحطب، والتسامر على جال النار، وليس نهاية بالاستمتاع بالأمطار التي تحيي الأرض بعد موتها. وإذا كانت النكتة تسخر من الشتاء السعودي، وتضعه بمقارنةٍ مع الشتاء اللندني، فإنها سخرية في غير محلها. لأن الشتاء السعودي فعلاً يحمل أجواء عظيمة وممتعة، والذين يعشقون الرحلات البرية يعلمون أن الضباب والمطر والغيوم كلها موجودة في الشتاء السعودي، وأعظم ما فيه كيف ترى تصديق النص القرآني صورة على الأرض: (وترى الأرض هامدة حتى إذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج).
ثم إن موجة النقد الذي تستخدم به النكتة للسخرية من كل ما هو سعودي، جميلة أحياناً، لكن تصل إلى سؤالٍ مفاده: هل بالفعل كل الذي لدينا خطأ؟ أو سيئ؟ أو مثير للسخرية؟ والذي أراه أن النقد لا يجب أن يكون حاداً لكل ما هو سعودي. المقارنات جيدة لكن أتمنى ألا تصل إلى الحد الذي نفتك فيه بكل شيء، منذ الحملة على المرأة السعودية التي أراها جائرة حتى وإن كانت للسخرية، إلى الضحك والاستهتار بالشتاء السعودي على أساس أنه شتاء يريد أن يكون لندنياً!
قال أبو عبدالله غفر الله له: النكتة جيدة وأسلوب اجتماعي مهم للترويح، والذي أتمناه ألا تدمر نيران السخرية كل ما بين أيدينا من جمال، فهناك مقومات مناخية واجتماعية جديرة بالتقدير، والضغط الدائم على وتر نقد كل شيء سعودي يحطم الأجيال الصاعدة والتي تبحث عن منافذ إيجابية لا معاول هدمٍ سلبية، وسلمتم!