تنجب الأمم على اختلاف ثقافاتها قامات شامخة تتحول مع مرور الزمن إلى منابع للإلهام!
حوار “الوطن” مع الدكتور: ناصر الصانع نكأ جرح رحيل الوزير الكاتب: أحمد الربعي. مرّت ذكرى رحيله قبل أسابيع من دون أن يخصص عنه وثائقي يليق بإنجازاته وروحه واندفاعه الهائل .كان شلالاً يقطر عذوبة يقهر حرارة شمس الكويت. في يوم 5-2-2008 كان موعد رحيل ذلك الكاتب العملاق الذي جاهد في سبيل إعلاء صوت المواطَنة الحقّة في وجه الأيديولوجيات النشطة في الخليج آنذاك. بقي وزيراً مقاوِماً لكل أسباب الإطاحة به.
يقول النائب الإسلامي الكويتي الدكتور ناصر الصانع إنه: “بكى لرحيل الربعي” على الرغم من ضراوة الخلافات العملية بينهما. وهو سلوك جميل في وقتٍ يتبادل فيه بعض المتحمسين التهاني لرحيل إنسان، لكأن الوحشية والكراهية الزرقاء تمكّنت من القلوب فلم تعد تنفطر لرحيل الإنسان. وفي الصحيحين أن جنازةً مرّت أمام الرسول فقام لها، فقال له الصحابة: إنها جنازة يهودي! فردّ عليهم: أليست نفساً؟!.
قلتُ: هذا مع المختلف في الدين، فضلاً عن المختلف في الفكر أو الرأي.
لم تكن الليبرالية لدى المرحوم الربعي طنطنةً لفظية، بل تشكّلت بوصفها أداة لتغذية التعددية. وحينما قابلتُه في إضاءات (23-6-2004) قال عن الليبرالية: “الليبرالية ليست حزباً سياسياً, وبالتالي نتكلم باسم حزب سياسي أو باسم آخرين أنا أتحدث باسمي, وإذا كنت أتكلم عن الليبرالية فأنا أتكلم عن الإيمان بالتعددية”. ولئن تعرّض لمحاولات إلغاء وتصفية، فإن ليبراليته كانت تكفل أولاً حرية الاختلاف. الليبرالية ليست أيديولوجيا تؤسس لقوالب يجب التمدد وفق مقاساتها، بل هي وسيلة لكسر القوالب، لتحرير الناس من جمود القوالب.
قال أبو عبد الله غفر الله له: كان اليونانيون يضعون تماثيل في الطرقات لتخليد الناس الذين ألهموهم في العلوم والآداب، يجعلونهم أمامهم في كل حين، لئلا يحيدوا عن التعاليم التي كرسوها وأنفقوا كل أيام حياتهم من أجل نشرها وتعليمها. بينما ننسى نحن في العالم العربي والخليج الشخصيات الرائدة التي مكّنت المجتمعات من تلمّس طريقها نحو الأنوار. ليخرجوا بذواتهم من ضيق الأنفاق إلى سعة ورحابة الآفاق.
أحمد الربعي كان واحداً من تلك الشخصيات الشفيفة، كان صخرة تحرس نهراً. وما أحوجنا إلى عشرات الشخصيات الملهمة التي تصرخ ضد صلابة الواقع، وصعوبات التخلف.
جميع الحقوق محفوظة 2019