كان أحد الأصدقاء يقول لي متندراً على وظيفتي الصحافية: أعتقد أنكم أنتم الإعلاميين أكثر الناس تضرراً من انتهاء قضية فلسطين، بأي حل، فمن أين لكم بالأخبار بعدها؟!
كان الزميل يلمح إلى التغطية التقليدية لموضوعات الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية التي تزيد عمراً على خمسين عاماً. لكن صاحبي لم يتنبه إلى أمرين، أحدهما أن التميز لاسيما في الصحف العربية، لم يعد لصالح الموضوع الفلسطيني، فقد نشأ في العالم العربي جيل كامل ملّ الحديث عن القضية الفلسطينية وبخاصة وهو يرى أن معالم الانفراج تكاد تكون بعيدة المنال عن التحقق. وأكتب اليوم والصحف والمجلات البريطانية قد أفردت طوال الأسبوع الماضي الصفحات لموضوع الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وإجلاء المستوطنين الإسرائيليين منها لصالح الفلسطينيين.
بل كان التميز في الصحف العربية لجهة المبيعات غالباً لصالح القضايا الجديدة، وبخاصة الشأن المحلي والخبر الداخلي.
أما الأمر الآخر الذي لم يتنبه إليه صاحبي، فهو الجبهة العراقية، فقد أصبح الموضوع العراقي حاضراً أكثر من الموضوع الفلسطيني، ولئن كانت مأساة فلسطين تتمثل في قمع الإسرائيليين، فإن الضحايا الفلسطينيين لم يصلوا يوماً إلى الأعداد التي تقتل كل يوم في العراق، عبر انتحاريين لا يهاجمون الثكنات، بل يستهدفون المستشفيات والمطاعم، بعد أن استهدفوا بالأمس دور العبادة!.
الفارق أيضاً، في أن الإرهاب في إسرائيل مصدره دولة ونظام، وهي وان كان لها تاريخ طويل فيه إلا أن الحكومة الإسرائيلية سجلت أداءً ملتزماً في مسألة الانسحاب من غزة، بل إن شارون وصف المستوطن الذي قتل ثلاثة فلسطينيين الأربعاء الماضي، بالإرهابي اليهودي، و هي تسمية لم تكن معهودة في القاموس الإسرائيلي بالذات! أما الإرهاب في العراق فمصدره إسلامي وهو يستهدف في أوار متبادل بين الطوائف الدينية، ويستهدف العراقيين في المقام الأول، ومن احترف القتل، فلن يعدم حيلة في تبرير القتل، ولو كان الضحايا من المدنيين أو الأطفال والنساء والشيوخ!.
ولئن كانت منطقتنا ترقد على مرجل من التوتر، فإن لحظات الهدوء والصفاء تقلق الصحافيين، بل إن العقلية العربية التي تستنكر الراحة والمتعة حتى يقول فيها من يضحك: «الله يكفينا شر الضحك»، تجعل الاستقرار مخيفاً لدى العامة، إذ يقولون: اللهم اكفنا شر الآتي!.
إعلامياً، أذكر أن زميلاً صحافياً في اليمن قابل الرئيس علي عبدالله صالح ضمن وفد إعلامي، فقال له: اننا نتمنى عليك أيها الأخ الرئيس أن تصنع أزمة ما، نستطيع أن نقتات عليها اخبارياً، لأن الركود سيخرب بيوتنا كمراسلين للصحافة الخارجية!.
وكلام زميلنا صحيح بخاصة إذا كان الاستقرار السياسي، مصحوباً بركود اقتصادي، أما إذا كان الانتعاش الاقتصادي صنو الاستقرار السياسي، فإن الصحافيين سينتعشون على أخبار الرفاهية، وسينشغلون في معالجة أزمات المكتفين بدلاً من مشاكل المعوزين!.