المشكلة في ليبيا صعبة. القوات الدولية تحاول أن تقترب من نقطة الحسم. لم تستطع أن تعثر على الآبار التي تؤمن للقذافي ومناصريه سلاحاً ينشر القتل ويسفك الدم. قصة الديكتاتوريات العربية تستحق التوثيق والتحليل. الحوار الذي أجراه رئيس تحرير الحياة: “غسان شربل”، مع وزير الخارجية الليبي السابق عبدالرحمن شلقم، كان مثيراً بحلقاته الأربع. ضم الكثير من التفاصيل عن تاريخ ليبيا. كان الحوار روايةً مليئة بالوثائق والمعلومات والقصص عن ليبيا التي كانت مغلقة كسجن أصم، ولم يعرف الكثيرون عن ليبيا غير معمر القذافي والكتاب الأخضر، لنحو نصف قرن من التعتيم المنظّم.
شلقم لم يكن بعيداً عن نظام القذافي، كان شريكاً أساسياً فيه، البعض يقرأ في تحوله الأخير “توبة”، والمجتمعات العربية غفورة حتى لمن أساء إليها، ولذلك اعتبر الثوار موقف شلقم ضد القذافي، وخطابه في الأمم المتحدة فتحاً للثوار وخطاباً تاريخياً. في حوار شلقم اتضحت الكثير من الخصائص التي مر بها العرب في تجربة الديكتاتورية والطغيان.
يصف شلقم القذافي بأنه ديكتاتور جاء من البادية ليحكم البلاد ويكون مثل “سارق دجاج القرية”. خلال أربعين سنة وأكثر قمع الناس، وقتل وسفك، وجعل من كل ليبيا محميةً له ولمن حوله، ثم يربط هذا السوء بالتاريخ العربي ككل. ربما كان العرب من أكثر الذين عانوا من مرارات الطغيان منذ السفاحين والحجّاجين والقتلة، الذين يرون في رؤوس الناس ثماراً يانعةً حان قطافها. هذه المقولة الحجاجية يراها الأستاذ إبراهيم البليهي صيغة من صيغ الوحشية حيث لا يرى الطاغية في رأس الإنسان عقلاً أو فكراً، بل “ثمرةً يانعةً حان قطافها”.. وهكذا عاشت ليبيا وسواها من جمهوريات الخوف والرعب والقتل!
حين تحدث عن ردود فعل القذافي تجاه الأحداث وعن شخصيته الغريبة، تذكرت الوصف الدقيق للقذافي في كتاب: “الوزير المرافق” للراحل غازي القصيبي، حيث قابله مراراً وكتب عن شخصيته بدقة ووضوح. وفي رؤية شلقم لطريقة إدارة القذافي للبلاد ما يمكن اعتباره من أغرب الغرائب وأعجبها!
قال أبو عبدالله غفر الله له: الحوار كان تقريراً مختصراً غطّى الكثير من الأحداث التي مرت بها ليبيا من لوكربي إلى اختفاء موسى الصدر إلى العلاقة بالإرهاب والمشروع النووي، قد يكون شلقم من الشركاء في تاريخ ليبيا السيئ، لكن الثوار في بنغازي أعطوه شهادة التوبة، والسياسة لها منعرجات ممتنعة على التوصيف الأخلاقي في كثير من الأحيان!