ما كاد يجف حبر مقالتي الأسبوع الفارط، حتى وقفت على معالم أخرى من “عربجة التدين”، يشيب لهولها الوِلدان، وتجعل الحليم حيران.
مغربي يقتل والدته بعد أن كفـَّرها وأخرجها من الملة!!
تخيلوا… يقتل… أي ينهي حياتها التي وهبها الله لها… ينهيها بيديه الآثمتين…
يقتل والدته! إنها ليست والدة صديقه، ولا أم الجيران، ولا هي عجوز قابلها للمرة الأولى في قارعة الطريق، بل هي أمه التي حملته كرهاً ووضعته كرهاً، وحمله وفصاله في عامين!
إنها التي أرهق ثديها بالرضاعة، وأرّق ليلها بالسهر عليه، وأتعب جفنها برعايته إذا مرض… إنها أمه… وهذه تكفي لو لم يكن لها شروح وتبعات، فكيف وهي كلمة تقفز خلفها مئات المعاني؟!
أمه هذه يا سادة، امرأة مسلمة تعيش في بلد مسلم، لكنه أسدل عليها الحكم بالكفر، انتثالاً لهذه العربجة، وأتبع التكفير بالقتل، ظاناً أنه يمثل لأمر الله تعالى، وهو ينفذ أجندة الشيطان، ويحتكم لوسوسته، حتى والله لإخال أن الشيطان أقام وعشعش أشهراً لا أياماً فقط في عقل هذا الرجل!
هل سنجد معترضين اليوم أو في الغد يأتون ليدافعوا عن هذا العربجي الذي قتل أمه باسم الله والدفاع عن الدين؟!
الجواب… نعم بالتأكيد!
فبعض الذين انتقدوا مقالات سابقة لي وقفت فيها على معالم للتطرف الديني كانوا يقولون إن الأخطاء موجودة في كل مكان، فلماذا لا تتحدث إلا عن أخطاء المتدينين؟!
وأجيبهم: لأن المتدينين يخالفون غيرهم باسم الدين، ويعترضون على الآخرين بسيف الدين، ويسوطون المخالفين بسوط الدين، ويكفرون ويقتلون باسم الله. ونحن عندما ننتقد هؤلاء فإننا نفعل ذلك صيانة للدين من مجاذيب ظنوا أنهم يمثلونه، ومجانين توقعوا أنهم يمضون في طريقه إلى الجنة، فأنزلوا سخافاتهم وجهالاتهم منزل النصوص الشرعية المنزلة، ووضعوا فهمهم السقيم موضع أفهام المبعوثين والرسل.
هؤلاء… لا مساحات في تفكيرهم للتسامح، ولا خانة في مواقفهم للتوقف، ولا مكان في تصرفاتهم لاحتمال صواب الآخر، خلافاً لكونهم لا يتعاملون مع الأشياء تعامل المشفقين على من يعتقدون خطأه.
أهم هؤلاء العرابجة المتدينين وليس آخرهم، كان قائد القتلة في العراق (الإمام المجاهد أبو مصعب الزرقاوي)!، الذي جاءنا الأربعاء الماضي مفتياً، ليؤكد لنا أن الدماء المراقة في العراق تستند إلى فقه أعوج، وأن الأرواح التي أزهقت في بلاد الرافدين، تتكئ إلى عربجة أيضاً.
وصل تبرير “سماحة الزرقاوي” للقتل في العراق خلال تفجيراته الانتحارية إلى إباحته إراقة دماء المسلمين معصومي الدم، واعتبر أن ذلك مشروع في الإسلام!
ونقول إن البناء الفقهي لعقل الزرقاوي لا يمكن أن يكون قد تشكل بعيداً عن آثار سرقات الأزقة تحت تهديد المطاوي تلك التي كان “الإمام الزرقاوي” يمارسها في الأردن إبان “دشارته”، قبل أن يفتح الله على قلبه ويحوله من صايع، إلى إرهابي مع مرتبة الشرف.
جميع الحقوق محفوظة 2019