بعض الناس يربط بين العبقرية وبين ترك المدرسة. ويظنّ أن ترك الدراسة دلالة ضرورية على وجود عبقرية حقيقية مهملة. ومع أن الكثير من العباقرة لم يلتزموا بالتعليم النظامي غير أن سرّ عبقريتهم يكمن في اهتماماتهم التي كانت أكبر من المدرسة وليس العكس. البعض يترك الدراسة ويظنّ أنه سيصبح أينشتاين جديدا.
إبراهيم البليهي له كتاب لطيف بعنوان “وأد مقومات الإبداع” يسرد فيه قصص العباقرة ومعاناتهم من الجمود التعليمي. كرس أولئك العباقرة جهودهم للتعلم الذاتي، غير أنهم لم يصبحوا يوماً عالة على الجمعيات الخيرية.
سأقف في هذه المقالة مع عبقري استثنائي يضرب به المثل في كراهيته للتعليم النظامي وهو: إلبرت أينشتاين، الفيزيائي النجم، الذي كانت شهرته وأخباره توازي بل تفوق أخبار نجوم السينما. ضاق ذرعاً بالدراسة بصورة مبكرة لكن أحد أعمامه نجح في إثارة اهتمامه بالرياضيات، فتحولت شغفاً رافقه طوال حياته. كانت انطباعات مُدرّسيه في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ عنه سيئة، حتى إن أحدهم قال له بالحرف الواحد:”لن تنجز شيئاً يا أينشتاين”!
قضى حياته في محاولة لفهم قوانين الكون. كان أينشتاين يطرح الكثير من الأسئلة المتعلقة بالكون، ويقوم بعمل التجارب داخل عقله. فعاش عبقرياً بإجماع علماء عصره وبلغ أسمى درجات المجد العلمي، خلافاً لعلماء ماتوا قبل تحقيق متعة دون متعة النجاح والتألق، ومنهم “ماندل” الذي وضع قوانين الوراثة، دون أن يعرف أحد إنجازه إلا بعد وفاته بخمسين عاماً.
عبقرية أينشتاين كانت مختلفة ونظريته النسبية حيرت العلماء وغيرت مفاهيم الفيزياء المعروفة.
ويروى أن أينشتاين كان يقف في أحد شوارع هوليود مع شارلي تشابلن، فتجمع حولهما الناس، فقال الأول للثاني:”لقد تجمع الناس لينظروا إلى عبقري يفهمونه تمام الفهم وهو أنت، وعبقري لا يفهمون من أمره شيئا وهو أنا”.
قال أبو عبد الله غفر الله له: العديد من العلماء بلغوا مراتب علمية عالية نتيجة لمجهودهم الفكري، وتعليمهم الذاتي الذي يقومون به، مما حول المعارف إلى مواهب، والعلوم إلى مخترعات بين أيدي الناس يستخدمونها عفوياً كل يوم.
لم يكن أينشتاين عبقرياً لأنه هرب من المدرسة. بل لأن عبقريته أكبر من المدرسة. وسبحان من خلق وفرق!
جميع الحقوق محفوظة 2019