لا أحد يصلح شيئاً لم يفسد. مع أننا في المحلية الدارجة لا نستخدم كلمة (أُصلّح) لإصلاح الأعطاب، بل للقيام بفعل جديد، فتقول: أنا أصلح امور الرحلة وانت تقصد انك تهيئها من الاساس. هذه المفردة التي نستخدمها في السعودية بشكل خاص بعيداً عن معناها، كثيراً ما أوقعتنا في حرج مع زملاء عرب نعمل معهم منذ سنوات طويلة. الآن بات هؤلاء العرب يعتقدون اننا جزء من النظام العالمي الجديد، الذي اصبحت مفردة الإصلاح رائجة في ادبياته وأطروحاته ومطالباته وضغوطاته السياسية، ولم يعد خطاب للرئيس الاميركي جورج بوش يوجهه الى المنطقة إلا وتفعل مفردة الاصلاح بالخطاب ما يفعله جنوده في العراق.
الأكيد أن أحداً لا يعتبر أطروحاته فاسدة، وبالتالي فالجميع يعتقدون أنهم إصلاحيون، حتى عتاة المحافظين، هذا اذا اعتبرنا المحافظين يقابلون بالضرورة الإصلاحيين في الضفة الأخرى للتوجه والاتجاه والمفردة.
لا أحد يتمنى أن لا تتحسن الأمور، وأن لا تتطور للأفضل، لكن المقاييس متغيرة، كما هو عالم اليوم، ولئن كان مفجعاً تخيل العالم قبل 1990 وبعد 2005 فغير بعيد عن هذه الفاجعة تصور الفارق بين العام 2000 والعام 2005.
صحيح أن المنتصر هو الذي يضع التعريفات، وأنه يفرض ثقافته بالطيب او بالمشعاب، لكن علينا على سبيل المثال ان نتصور كيف تعامل الأميركيون انفسهم مع قيم تأسيس الولايات المتحدة، وقيمها الآن. لا شك ان الفارق بين الزمنين والقيم الأولى والقيم حالياً كان شاسعاً جداً، لكنهم لم ينسفوا تاريخ الأوائل، وباتوا يسمونهم الآباء المؤسسين.
هل بوسع الأميركيين أن يتيحوا لغيرهم أن يتصرفوا مع ازمنتهم الخوالي، بمثل ما فعلوه هم بآبائهم المؤسسين؟!
أجيبكم صراحة بأنني لا ادري، واحسب أنهم هم لا يدرون ايضاً…
أما إن سألتم: من الذي يدري؟ فسأجيب: شخص ليس اسمه جورج دبليو بوش!