في سنة 2011 حسمت ليبيا موقفها من القذافي، أسقطته بعد معارك دامية على المستويين، السياسي والأمني. لعبت السياسة دورها في الإطاحة بالقذافي، حيث استطاع الليبيون إقناع العالم بضرورة التدخل لحماية ليبيا من جنون القذافي.
سقط القذافي رغم الخسائر الفادحة. غير أن السقوط المدوي لم يكن النهاية للتحديات التي تواجه ليبيا، فما إن قتل القذافي حتى بدأت المرحلة الضرورية والحاسمة، حيث جاء التحدي الأبرز، هل الانتصار على القذافي يجير للفرد الليبي؟ أم أن الانتصار سيتحول إلى كعكة جذابة للتقاسم؟ هذا ما أشار إليه عبدالرحمن شلقم، مندوب ليبيا في الأمم المتحدة في تصريحاته، حيث طلب من العرب والغرب أن يتركوا ليبيا لليبيين ليدبروا شؤونهم وليبدؤوا ترتيب البيت من جديد.
في لقائي مع محمود جبريل، رئيس الحكومة الليبية المستقيل، في “إضاءات” هذا الأسبوع كان كلامه واضحاً، حيث بيّن للناس أن ليبيا تبدأ مراحلها الجديدة، غير أنها لم تنته من أي مرحلةٍ ضرورية باستثناء التخلص من القذافي، ومن بين الأفكار المهمة التي طرحها التركيز على “بناء الإنسان”.
كانت ليبيا في فترة القذافي مهشّمة من الداخل، حيث عاشت حالة من التجهيل والعزل القسري عن العالم، ثم حين ضجّ الثوار باحثين عن مخارج من كل المآزق التي تسبب بها القذافي فوجئوا بأن الدمار لم يكن حكراً على الأرض الليبية، بل مسّ الدمار حتى الإنسان الليبي، حيث وقع فريسةً لأفكار القذافي الغرائبية، وللتجهيل المنظّم الذي فرضه القذافي على الناس لمدة زادت على الأربعين عاماً!
وتحدي بناء الإنسان الذي يطرحه جبريل يعني أن الخلافات البينية داخل الثوار قد تحدد مستقبلاً مختلفاً لليبيا إن استمرت وتضخمت، كما أن عدم إلقاء الليبيين للسلاح يهدد من المستقبل الذي يطمح إليه الإنسان بغية النمو، أما الأولوية الكبرى التي يحتاجها كل بيت ليبي فهي التعليم.
في تصريحاتٍ قديمة للقذافي قال فيها إن التعليم ليس ضرورياً، وإن المدارس لا قيمة لها، وإن على كل إنسانٍ أن يعلم نفسه، هذا هو التجهيل الذي مورس على الشعب الليبي طويلاً، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه، هل ستكون الثورة الليبية مثمرةً بإيجابياتها على الإنسان أم أن الخلافات ستبطئ من سير ليبيا على قدميها لملاحقة العالم وصرعاته العلمية والعملية؟!
قال أبو عبدالله غفر الله له: وبناء الإنسان بالتعليم أولاً، ومن ثم بالصحة والأمن، هذا هو ثالوث الاستقرار والتنمية، وليبيا إن لم تخض التحدي السريع لإيجاد هذه المتطلبات الضرورية فإن الهشاشة ستحاصر الإنسان الليبي من كل باب، وستمنعه ربما عن التمتع بنتائج الثورة الإيجابية.. فهل يعي الثوار بكل اختلافاتهم هذه المطالب الجوهرية؟! وهل سيلقون السلاح لبناء وطنٍ من جديد؟! ولبناء الإنسان من جديد؟!