حين بدأت ثورتا تونس ومصر، كانت سلمية محرجة للنظام، لهذا استطاعت المظاهرات السلمية التي ترفع فيها أرغفة الخبز والشعارات العادية أن تسقط الرئيس التونسي ومن ثم المصري. في المظاهرات المصرية دسّت القوى الأمنية ما عرف بـ”البلطجية” وفي التظاهرات الليبية طلع علينا “المرتزقة” وها هم اليوم “الشبيحة” في سوريا يعيثون فساداً وقتلاً، ومن شاهد ممارساتهم من خلال وسائل الإعلام أو على “اليوتيوب” يصاب بالصدمة كيف أن هذه الأنظمة تستكثر على الشعب سلمية مظاهرته فتدخل بين صفوفهم من يجتث حياتهم من جذورها من خلال السلاح الأبيض والقناصة المنتشرين في أماكن عديدة من سوريا وليبيا!
النظام المصري بدأ بالعنف من خلال “موقعة الجمل” المضحكة، لكنه فشل في إتمام وتحقيق أهدافه، لهذا استطاع المتظاهرون في ميدان التحرير أن يتماسكوا ليخلقوا واقعاً سلمياً مختلفاً، لكن حماقات القذافي وممارساته الدامية في ليبيا كانت هي شرارة اشتعال الحرب المتبادلة بين القذافي وكتائبه وبين المتظاهرين، منذ أول خطاب ألقاه سيف الإسلام القذافي ولغة الدم تنضح من حديثه، كان يهدد بحربٍ أهلية تأكل الأخضر واليابس، والقذافي قالها واضحةً: “أنا من بنى ليبيا وأنا من سيهدمها” في لغة متغطرسة ديكتاتورية، والدعم الفرنسي للثوار في ليبيا لم يعد سراً حين صرحت قبل أمس فرنسا بأنها أمدت المتظاهرين الليبيين بالسلاح.
القذافي رفع سقف العنف، شعر بشار الأسد أنه مهما عاث في المتظاهرين فساداً فإنه لن يبلغ ولو نصف ما فعله القذافي في الليبيين، لقد فتح القذافي المجال لمن بعده من الجبابرة أن يمارسوا العنف من دون أن يحاسبهم أحد، لقد رفع سقف العنف، لهذا باتت الأحداث التي تجري في البلدان العربية مرتبطة بـ”العنف، القتل، المندسين، المؤامرة، الأيادي الغربية” ولم يستطع أيّ زعيمٍ منهم أن يقتنع بأنه سيئ ومبغوض وغير مرغوبٍ به، يوزعون الابتسامات في مجالس الشعب وكأنهم نجوم هوليود، بابتساماتٍ صفراء تكدر نظر المشاهد وتفسد مشاعره.
قال أبوعبدالله غفر الله له: إنني إذ أضع المسؤولية على الديكتاتور في بدء العنف، غير أنني لا أملك إلا أن أحث في الوقت نفسه المتظاهرين على عدم اللجوء إلى العنف، وفي هذه الدعوة اشترك مع مفكرين سوريين دعوا إلى نبذ العنف ورفع ورود زكية أثناء التظاهر، من مثل الدكتور عبدالكريم بكار، والدكتور خالص جلبي، فهذه الدماء الزكية في سوريا وغيرها لا يجب أن تراق في حربٍ أهلية يخطط لها هذا الديكتاتور أو ذاك!