قصة “قاضي المدينة” المسحور فتحت الباب على مصراعيه على قصص السحر والشعوذة. وهي قصة تتزامن مع إغلاق نايل سات لمجموعة من القنوات الدينية التي تبث الطائفية والكراهية والشعوذة. كلما تأملتُ في قصة القاضي المسحور رجعت إلى المجتمع المسكون بسواليف الجن والسحرة والمشعوذين وقطاع الطرق. وهي قصص مرتبطة بالخيال الشعبي. إن فلاناً لديه مرض لم يعرفه الطبيب فهو مسحورٌ قطعاً، وإن كان لديه اضطراب نفسي أياً كان نوعه فهو مصاب بمسّ من الجن.
لكن قصة القاضي تعيدنا إلى قضية أخرى؛ وهي أن كل من مارس شيئاً معيناً واستغرب منه اعتبر نفسه مسحوراً، بل حتى لو لم يستغرب منه. ربما تكون كتابتي هذه تحت ضغط السحر، وتقديمي لبرنامج “إضاءات” هو سحر ألصقني به ساحر، وأرجو أن يكون القارئ الذي يقرؤني الآن مسحوراً بمقالاتي ومأخوذاً بها. كما أتمنى أن يقع رئيس التحرير في سحر فسح مقالات الكتاب. حتى حينما يعفى كاتب أو مسؤول ربما أحلنا قصة إعفائه إلى جزءٍ من قصص السحر والشعوذة. لكننا لم نتفنن في رفع قيمة السحر ليكون في صفنا بدلاً من أن يكون عبئاً علينا. كان بإمكاننا أن نحوّل السحر إلى خادم لقضايانا العربية والإسلامية.
يمكن للسحرة أن يعيدوا الأراضي الفلسطينية إلى الفلسطينيين، ويمكنهم أن يعيدوا الأمن إلى العراق، ويمكنهم أن يوصلوا السفن المدججة إلى قطاع غزة محمّلةً بالغذاء والدواء، لكنها المبالغات الاجتماعية التي يحركها المخيال الاجتماعي الشعبي والذي لا يكفّ عن صنع التهاويل والتهيؤات.
للدكتور خالص جلبي نص جميل في هذا يعتبر فيه: “أن الاغتيال المنظم للعقل لا نهاية له. واليوم عرف العلم طرفا من أسرار (هوديني) فهو تدرب لسنوات على الغطس في الماء المثلج وحبس أنفاسه لدقائق طويلة حتى أصبحت في منزلة العادة عنده. وعرف أنَّ معصميه تكيفتا بالتدريب الطويل على التملص من الأقفال. وعرف أنه كان يستخدم أصابع قدميه ببراعة أنامل يديه وأنه بمسمار صغير كان يفتح أعتى الأقفال. كل ذلك بطول تدريب وبراعة أتقنها وعشق لا يُضاهى للمال والشهرة. وكل إنسان يوجد نفسه بطريقة ما فمنهم من يمارس السحر ويغتال العقل. ومنهم من يمشي على الحبال ليهوي يوما من شاهق فيقتل. ومنهم من يصعد الجبال حتى ينقطع نفسه على قمة (إفرست) فيبقى شبحا مجمدا في الثلوج آية للمتوسمين لفي سبيل مقيم يحدق في الذاهب والغادي. إن قصة السحر لتسلية الناس جميلة لولا الاحتيال لسرقة الناس واغتيال العقل على نحو خفي منظم”.
قلتُ: ولا أجد أمام هذا النص سوى تذكير القارئ بخطورة الاستسلام لعنف السحر والخرافات.