زرتُ معرض الكتاب في اليومين الماضيين، وبقدر سعادتي بالاحتفالية الثقافية إلا أنني كنتُ متألماً لحالة الاحتقان التي دخل بها البعض للمعرض. من حق الجميع أن ينصح لكن من واجبه أن يلتزم بأدب النصيحة ليظهر سماحة الإسلام. أول من أمس جاءتني خمس مجموعات ناصحة. كان معظمهم لطيفاً، بعضهم قال لي إني قد جربت الخير، وأقول له إنني ما زلت أجربه بحمد الله، بعضهم ذكرني بالآخرة والموت وسكراته وشكرته لفضل التذكير، والبعض الآخر لامني أنني انتقدتُ يوسف الأحمد! وهناك من رأى أنني أستضيف من لا يرضون أمانته ودينه. وأذكر هؤلاء الفضلاء بأن كرسي الإعلام غير منبر الجمعة.
نحن في مرحلةٍ دقيقة وحساسة ولا مجال فيها للاحتقان والتصعيد، وإن كان الجو العام في عالمنا العربي يعجّ بالثورات أحياناً وبالاضطرابات في أحايين أخرى. من السهولة بمكان أن نتلاعن وأن نتشابك بالأيدي كما حدث في المعرض ليل الأربعاء وأن يعجب كل منا برأيه، وأن يتعصب لموقفه، لكننا سنزيد الشقة ونضاعف الفجوة، وسنجعل هذه البلاد في مهب الريح، وهي عالية على كل منا فيليق بنا حفظها بشيء من التهدئة. وأذكر إخواني الناصحين بأن الله بعث من هو خير منهم إلى من هو شر ممن ينصحون ويحتسبون عليه.
بعث موسى لفرعون فأمره باللين والرفق: “فقولا له قولاً ليّناً”، وخير الخلق يخبر أن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيءٍ إلا شانه. من يصدق في دفاعه عن الدين فليكن خير سفيرٍ للدين ببسمته. الدعوة باللين أشقّ من الدعوة بالعنف والقسوة، فأنت باللين تجنب حظوظ نفسك، ولو بالانتصار لها. والبسمة أصعب من التجهّم.
الوضع أيها السادة لا يحتمل التصعيد، فليس لنا هاجس أن نبحث عن بعضنا “زنقة زنقة”.
كلما تجولتُ في ليالي الرياض الباردة والهادئة أشعر أن هذه المدينة العاصمة تستحق منا الكثير، أن نكتفي بالعقوق بها، وأن نذهب إليها متحاورين، أن تكون مناسباتها عزيزة علينا. الرياض التي استوعبت كل الناس بكل أشكالهم وأصنافهم يجب أن تستوعب كل المختلفين فكراً واتجاهاً، وأن يكون دعاتها والعلماء والفقهاء فيها هم أكثر من يبرّ بها، وذلك من خلال الحوار ولا شيء غير الحوار.
معرض الرياض الذي يستضيف أمةً مثل أمة “الهند” جدير بأن يكون مستفيداً من تجربة التعددية في الهند. مئات الأديان واللغات والاتجاهات والمذاهب، ومع ذلك يتعايشون بسلام وهم أكثر من مليار نسمة. نحن السعوديين 16 مليونا وعجزنا عن إيجاد صيغة التقاء بين مختلفين من دينٍ واحد ولغة واحدة، ومع ذلك نتعارك مع كل خلاف حول قصة صغيرة أو موضوع تافه. إخوتي في الوطن هلا استيقظنا نحو سنوات الحوار والالتقاء بعد سنوات الجفاء والحرب الفكرية والإلكترونية؟!