يجب أن نواجه بصرامة أن ثقافتنا العربية تقف موقفاً سلبياً من الضحك والبهجة، وهو ما يعكسه الموروث الاجتماعي من أمثله وعبارات يوردها المرء انسياقاً مع اللاوعي فور انتهائه من إطلاق ضحكة بريئة مثل قوله: الله يكفينا شر هالضحك، أو اللهم اجعله خيرا، وكأن المعادلة الثابتة تحققاً بالإجماع أن كل ضحكة تتبعها مصيبة!
وفيما تعتبر الثقافة العربية الضاربة أطنابها في جذور الوقار والهيبة ولو على حساب السعادة أن الضحك بدون سبب قلة أدب كما في أمثالنا، يقول الأطباء: “أجمل شيء في الضحك هو أنك لا تحتاج سببا لكي تضحك، فعليك أن تبدأ به على الفور فهو يرفع من قيمة الحياة والروح المعنوية ويجعلك تحب كل شيء من حولك، ويعطيك الشعور بالراحة والاسترخاء. كما أنه يقلل من الضغوط والعنف والغضب ويمكننا القول بأنه علاج وقائي يمنع من الإصابة بالعديد من الأمراض العضوية والنفسية”.
وفي فوائد الضحك أنه يفيد الجسم والعقل، يحقق السعادة والسلام النفسي، ويمنحك التجدد، ويقلل من الضغوط، ويحد من ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، ويزيد من قدرتك على التأمل والاسترخاء، ويقوي جهاز المناعة ووسائل الدفاع الطبيعية الموجودة في الجسم، ويخفف من حدة الألم عن طريق رفع مستوى إفراز مادة الإندروفينس، ويفيد مرضى التهاب الشعب الهوائية وأزمات الربو عن طريق رفع نسبة الأكسجين في الدم الذي يدخل للرئة، ويزيد من قدرتك على التحدث إلى الآخرين بلباقة، ويطور من شخصيتك وقدرتك على القيادة، ويجعلك تبدو أكثر شباباً، وينمي روح المشاركة وروح العمل الجماعي، ويعطي الشخص الثقة بالنفس، ويقلل من الشخير لأنه يساعد على عدم ارتخاء عضلات الحنجرة، وينمي قدرة الشخص الإبداعية، ويزيد من مرونة أوعية القلب، ويرفع من روحك المعنوية، ويجعلك تفكر بشفافية، ويخرجك من دائرة الروتين، بل وتتلألأ عيناك عندما تضحك وتصبح أكثر وسامة. كما أن الضحك يرفع من مستوى أدائك العقلي ومن قدرتك على الاحتفاظ بالمعلومات لأطول فترة ممكنة ويقوي الذاكرة، ويجدد الطاقة، ويحطم طبيعتك المتحفظة، ويقوي عضلات البطن، ويوازن بين كيمياء التوتر والضغط، ويذكرك دائماً بالصورة الأشمل والأعم في حياتك فيساعدك على أن تفكر وترسم لمستقبلك، ويجعلك تندم على ما فات من عمرك وأنت جاد، وبالضحك تتصل بالآخرين على نحو أعمق”.
الضحك هو البطارية التي تشحذ عقولنا وأجسامنا ومشاعرنا، كما يقول المختصون، فهل نُقبل على الضحك وهذه فوائده أم نستمع لثقافة موغلة في مكافحته؟!
قد يبدو التساؤل مقلقاً في النهاية لأن رفض الثقافة الاجتماعية فيه صعود على ما اعتاده المرء من حياة، لكن ربما نغفل أو نتغافل عن مداعبات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لزوجاته وأصحابه.
فمن أمثلة مزاحه صلى الله عليه وسلم قوله للعجوز الأشجعية: (يا أشجعية؛ لا تدخل العجوز الجنة). فرآها بلال باكية، فوصفها للنبي صلى الله عليه وآله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (والأسود كذلك). فجلسا يبكيان، فرآهما العباس فذكرهما له، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (والشيخ كذلك). ثم دعاهم وطيب قلوبهم، وقال: (ينشئهم الله كأحسن ما كانوا) وذكر أنهم يدخلون الجنة شبابا منورين، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الجنة جرد مرد مكحلون).
وجاء صلى الله عليه وسلم لرجل من ورائه، وأخذه بعضده، وقال: (من يشتري هذا العبد؟) يعني أنه عبدالله، من قبيل المداعبة. وقال صلى الله عليه وسلم لامرأة قد ذكرت زوجها: (أهذا الذي بعينيه بياض؟)، فقالت: لا ما بعينيه بياض! وحكت لزوجها، فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادهما؟
وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة عجوزا درداء، فقال: أما إنه لا تدخل الجنة عجوز درداء، فبكت، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا رسول الله؛ إني درداء، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لا تدخلين على حالك هذه. سئل ابن عباس: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح؟ فقال: كان النبي صلى الله عليه وآله يمزح. وكان يداعب أصحابه إذا رآهم مغمومين، فجاء عن علي رضي الله عنه (كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليسر الرجل من أصحابه إذا رآه مغموما بالمداعبة).
جميع الحقوق محفوظة 2019