يرى الأستاذ عباس محمود العقاد، أن: «الآداب العربية مشحونة بالذخائر النفيسة التي عليها طابع الذهن العربي والحياة المشرقية، لا يشركها فيها أدب من آداب الأمم الأخرى بمثل هذه الخصائص أو بمثل هذه الوفرة. وعندنا في الكتب المطبوعة والمخطوطة ثروة من أدب النوادر والفكاهات والأمثال والآراء الموجزة والملاحظات النفسية لا تجتمع في أدب أمة أخرى.
وأحسب أن الأجوبة العربية التي اشتهرت بالأجوبة المسكتة، لو تُرجمت كلها إلى اللغات الأوربية لغطت فيها على شهرة الأجوبة اللاكونية المنسوبة إلى إسبرطة والمأثورة بين الأوربيين بالإيجاز والإفحام والمضاء، وتشبه هذه الأجوبة الأمثال والحكم والمشورات والنوادر التي يسوقونها بغير تعقيب ولا تفسير، ولكنها كبيرة المغزى عظيمة الإيحاء عند التأمل فيها والتدبر في أغراضها».
وفقاً لمقال كتبه في 1938، بمجلة (الرسالة). ويمكن أن نُعَرِّف الأجوبة المُسكِتَة، بأنها: أجوبة سريعة مختصرة حاذقة ذكية، يَرُدُ بها المسؤول على من سأله، بجوابٍ مُفحِمٍ يُسكتُ السائل. ونقل أحمد أفندي صابر في كتابه (الأجوبة المسكتة)، تعريف البعض لها بأنها: «أصعبُ الكلام مركباً، وأَعزُهُ مطلباً، لأن صاحبها، يُعجلُ مناجاة الفكرة، واستعمالَ القريحة، حيث يروم في بديهته، نقضَ ما أَبرَمَ القائلُ في رويته».
وصُنِّف في الأجوبة المُسكتة، مصنفات كثيرة، وأوردَ بعض الأدباء شيئاً منها في مجاميعهم، ونتنزه اليوم بين بعضها، للأُنس بحذاقتها، والاستمتاع ببديعها، والاستفادة من بلاغتها، والله الموفق..
• سأل رجلٌ العباسَ -عم النبي- رضي الله عنه: أأنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر وأنا ولدت قبله.
• قَالَ تَمِيم بن نصر بن سيار لأعرابي: هَل أصابتك تخمة قطّ؟ قَالَ: أما من طَعَامك فَلَا! • قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان لبثينة، معشوقة الشاعر جميل: مَا رجا مِنْك جميل؟ قَالَت: مَا رجت مِنْك الْأُمة حِين مَلّكَتكَ أَمرهَا.
• قيل لعلي كرم الله وجهه: كم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة. قيل: كم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس.
• دخل معن بن زَائِدَة على الْمَنْصُور فأسرع الْمَشْي وقارب فِي الخطو فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: كبر سنك يَا معن، قَالَ: فِي طَاعَتك، قَالَ: إِنَّك مَعَ ذَلِك لجلد، قَالَ: على أعدائك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: وَإِن فِيك لبَقيَّة، قَالَ: هِيَ لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ.
• قيل لأبي العَيْناء: فلانٌ يضحك منك! فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ}.
• وقال يهودي لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما لكم لم تلبثوا بعد نبيكم إلا خمس عشرة سنة حتى تقاتلتم، فقال علي كرم الله وجهه: ولِمَ أنتم لم تجف أقدامكم من البلل حتى قلتم يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة.
• وجد الحجاج على منبره مكتوباً: (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ)، فكتب تحته: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
• دخل مجنون الطاق يوماً إلى الحمام وكان بغير مئزر، فرآه أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وكان في الحمام، فغمض عينيه، فقال المجنون: متى أعماك الله؟ قال: حين هتك سترك.
• قال رجل لرقبة بن مصقلة: ما أكثرك في كل طريق! فقال له: لم تستكثر مني ما تستقله من نفسك؟ هل لقيتني في طريق إلا وأنت فيه؟
• دخل إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة البصرة، فقال: هممت أن أؤدب من خالف أبا حنيفة في مسألة. قال له قائل: هل كان أبوحنيفة يؤدب من خالفه؟ قال: لا. قيل له: فأدّب نفسك فقد خالفته.
• خرج الحجاج يوماً متنزهاً، فلما فرغ من نزهته، صرف عنه أصحابه، وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من بني عجل، فقال له: من أين أيها الشيخ؟ قال: من هذه القرية. قال: كيف ترون عمالكم؟ (يعني ولاتكم). قال: شَرُّ عُمَّال، يظلمون الناس، ويستحلون أموالهم. قال: فكيف قولك في الحجاج؟ قال: ذاك ما وَلِيَ العراق شَرٌ منه، قبّحه الله، وقبّح من استعمله. قال: أتعرف من أنا؟ قال: لا. قال: أنا الحجاج. قال: جُعِلتُ فِدِاك أو تعرف من أنا؟ قال: لا. قال: فلان بن فلان، مجنون بني عجل، أُصرع في كل يوم مرتين. قال: فضحك الحجاج منه، وأمر له بصلة.
• كان عمرو بن سعد بن سالم، في حرس المأمون ليلة، فخرج المأمون يتفقد الحرس، فقال لعمرو: من أنت؟ قال: عمرو عمّرك الله بن سعد أسعدك الله بن سالم سلّمك الله. قال: أنت تكلأنا الليلة؟ قال: الله يكلأك يا أمير المؤمنين وهو خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين. فقال المأمون: إن أخا الهيجاء من يسعى معك… ومن يضرّ نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك… شتت فيك شمله ليجمعك ودفع إليه أربعة آلاف دينار. قال عمرو: وددت لو أن الأبيات طالت.
• قال عبدالملك بن مروان لرجل: ما مالك؟ قال: ما أَكُفُ به وجهي، ولا أعودُ منه على صديقي. قال: لقد لطفت في المسألة. وأمر له بمال.
• سِمعَ رجلٌ رجلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا، والراغبون في الآخرة؟ فقال: اقلب كلامك، وضع يدك على من شئت.
• قال رجلٌ للشعبي: كم أصدَقَ (دفع مهراً) إبليسٌ امرَأَتَهُ؟ فقال: ذاك إملاك ما شَهِدته!
* السفير السعودي لدى الإمارات