إذا قرأنا الأزمات التي تصيب العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى المغرب، سنجد أن من الممكن عزوها لأكثر من سبب. يأتي في مقدمتها الفكر الأحادي، أن ألغيك، وأصفيك وأهجوك وأكفرك وأشتمك حين لا تتفق معي، هذا المرض يصح في تشخيص المشكل الطائفي، والعرقي، والعنصري، وفي المشكل الحزبي بين التيارات السياسية كما يحدث في العراق ولبنان وسواها. الأحادية هي التي دمرت نظام مرسي الذي كان يعتقد أنه هو الشعب وأن الشعب هو، لكن سرعان ما تبين أن الفكر الأحادي يبدأ بصاحبه فيقتله. والآن تعيش الأنظمة الأحادية تحديات كبيرة مثل إيران التي بأحاديتها كانت تخسر اقتصادياً وسياسياً. بسبب أحاديتها وتحديها للعالم كانت تخسر 60 مليار دولار سنوياً. لكن الآن هل يجدي هذا المبدأ على كافة الصعد؟! أم أن زمن الأحادية والتحجر قد ولى؟! من بين من ناقش هذه المشكلة المفكر اللبناني علي حرب في كتابه:«المصالح والمصائر-صناعة الحياة المشتركة». والذي ناقش فيه التحجر والانفتاح، والتداول والإضراب عن المشاركة مع العالم، من بين أهم الأفكار في الكتاب قوله:«لابد أن نجدد في أشكال المصداقية والمشروعية، بابتكار عدةٍ جديدة للتفكير والعمل، للفهم والتشخيص، أو للتفكير والتدبير، وذلك بكسر المنطق الأحادي والشمولي والاصطفائي، والإقصائي أو النخبوي والمركزي. من مفردات هذه العدة الجديدة، كما أرى وأشخّص وأقترح للمداولة، الاعتراف المتبادل، البعد المتعدد، الهوية الهجينة، المواطنة العالمية، الفكر التركيبي، الوحدة المركبة، الديمقراطية التشاركية، العقل التداولي، المنطق التحويلي». هذه الفكرة هي التي تنجي المجتمعات والأحزاب والأفراد من الأزمات والانفجارات. في تركيا يعيش أردوغان ضريبة أحاديته، وكذلك كان الوضع مع مرسي، المصائر التي تصيب الممارسات الأحادية متشابهة، إذ تذهب بضحيتها نحو السقوط والانهيار والانفجار، الأحادية هي بذرة الإرهاب، جذر الإقصاء، وهي أساس كل المشكلات التي تُعاش في المجتمعات العربية والإسلامية. يتفرع من مشكل الأحادية أمراض كثيرة منها: الإرهاب، التطرف، التكفير، السقوط الذاتي، وأي فكر أحادي إنما يقضي على نفسه. لو أن الأحزاب الشمولية (الأحادية) استطاعت أن تفكر بعقلية عالمية، وأن تنفتح اقتصادياً وثقافياً وسياسياً مع العالم لأحدث ثورة في بنية أحزابها، لكن لم تستطع ولن تستطيع لأنهم حينها يضطرون لتغيير نظام تفكيرهم ومنهجهم حينها يكونون أسوياء وطبيعيين، وهذا ما لا يريدونه بطبيعة الحال. بقيت الأزمة الأحادية شريكة الفكر الشمولي والأحزاب الشمولية والفرد المنضوي ضمنها والدائر في فلكها، هي شريكة الأزمات التي تُعاش في مجتمعاتنا، وتنعكس سلباً على مجتمعات العالم. الانفتاح ليس إنكاراً للهوية، فالهوية متنوعة ومتعددة ويجب أن تكون عابرة للقارات، الهوية ليست أحادية بل يجب أن تكون هجينة تتعلم من الشرق والغرب. حرّاس الهوية هم أبرز من ينشر الفكر الأحادي في المجتمعات. من جميل أقوال الشاعر الألماني جوته: «إن اللغة الألمانية اكتسبت قوتها لا من إقصاء الغريب وإبعاده وإنما من ابتلاعه وتملكه». هذا هو المجتمع الذي يكسر بالانفتاح على الآخر أحاديته، ويثق بهويته فيسير بها متجولاً في أنحاء الثقافات.
جميع الحقوق محفوظة 2019