طرح المؤتمرون في »منتدى دبي للإعلام 2016«، مجموعة من المحاور الراهنة، قرأتُ الخلاصات التي نشرت في الصحف حول الندوات التي حملت أسئلةً غنية واستشرافات عديدة، سأعلق عليها في هذه المقالة. تجاوز النقاش الإعلامي الموضوعات المعتادة، ليصل إلى محاور، منها، انتعاش الإرهاب وتغذيه على الإعلام، مصير الإعلام الرقمي، وحوار الحضارات.
ظلّت الجماعات الأصولية منذ السبعينيات، تعتمد على وسائل الإعلام المحدودة، أبرزها الكاسيت، ومن بعد الدخول على خطّ توثيق العمليات بأشرطة الفيديو المصوّرة، وإنشاء مؤسسات وتسجيلات خاصة بأحداث »الجهاد« في أفغانستان فيديوهات (عشاق الشهادة) والشيشان، وفيديوهات (أحداث شامل باسييف، وعمليّات خطاب، وفتاوى أبو عمر السيف)، ومن ثم البوسنة، وفيديو (بدر البوسنة).
جميعها أعمال بدائية، لكنها كانت مؤثرة ونافذة على بعض الشرائح. ثم تحوّل ثانيةً البث الإعلامي بعد ظهور القنوات الفضائية وانتعاشها في منتصف التسعينيات، حيث أصبحت عمليّات القاعدة تسرّب بأشرطة مسجلة لبضع قنوات، بينما تأخذ كلمات ابن لادن وهجها من خلال بثها عبر فضائية معينة، كما في قسمه الشهير بعد أحداث 11 سبتمبر.
التحوّل الثالث، حدث بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد القنوات الفضائية محورية بالنسبة للجماعات الإرهابية، تحاول أن تتحدى هذه الجماعات حصارها الجزئي عبر الإنترنت، فتستخدم (اليوتيوب) لبثّ مقاطع (الساوند كلاود) للمحاضرات، ونشر الكلمات، والفتاوى السريعة، والمناظرات المتعددة، مثل (مناظرة المنظّر الداعشي طرهوني مع مناوئه عصام العويد)..
وتستخدم كذلك (الفيسبوك)، بينما الملعب الأكثر سعةً للإرهاب، تمثّل بـ (تويتر)، حيث التجنيد والتكفير، وكل الإرهاب مباح في تلك المساحة الزرقاء، صارت القنوات هامشية بالنسبة للإرهابيين، لم تعد منصّةً لهم، بل أخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي، أساساً للتحرك والتجنيد والدعاية العلنيّة الخطيرة.
قبل أيام، صدرت دراسة جديدة من إعداد الشرطة الجنائية الألمانية، والاستخبارات الداخلية، حول الألمان الذين يلتحقون بتنظيم »داعش«. تحدث دانييل هاينكه، وهو خبير ألماني في شؤون الجريمة قائلاً: »إن أكثر من 800 شخص غادروا ألمانيا نحو سوريا أو العراق لدوافع إيديولوجية. وتمكنا في يوم الجرد السنوي في الـ 30 من يونيو 2015، من جمع بيانات شخصية تعود بالفعل لما مجموعه 677 شخصاً.
كما قمنا بتقييم تلك البيانات في دراستنا، بحيث إننا نعتقد أننا نتوفر بالمقارنة على صورة جيدة حول مجموعة الأشخاص المعنية«، ويشير إلى أن الإنترنت كان العامل الحاسم في التجنيد، لأنه نواة الاتصال المباشر مع الأشخاص الآخرين، هذا في ألمانيا، فما بالك بالخليج والشرق الأوسط ومنطقة شمال أفريقيا؟،
يبدو الأمر أكثر سوءاً وخطراً مما نتخيل. الباحث أحمد مغربي بجريدة »الحياة«، يستعرض أفكار جارد كوهين رئيس قسم أفكار غوغل، أن »شركة (داعش) وليس تنظيم (داعش).
تلك هي الخلاصة الأهم التي كشفها (غوغل) عن عمل ذلك التنظيم الإرهابي في العوالم الافتراضيّة، وهي ما يحلو لوسائل الإعلام الغربي الكثيرة، أن تطلق عليها تسمية (الخلافة الإلكترونيّة)، كوهين يعمل أيضاً مستشاراً لدى »مجلس العلاقات الخارجيّة الأميركي«، الذي يوصف بأنّه العقل المدبر لوزارة الخارجية الأميركيّة، بل المصنع الفعلي لسياسات تلك الوزارة.
مع انفلات إرهاب تنظيم »داعش« في المشرق العربي، تبيّن سريعاً أن حضوره على الإنترنت، يشبه مارداً انفلت من القمقم. (Cyber Caliphate)«. من المؤكد أن الإعلام العربي الآن، يعيش حالة من تحدّي الإرهاب..
لكن إعلام رجال الأعمال والحكومات، يمكنه أن يكون منضبطاً بالقانون والميثاق الأخلاقي، من خلال قمع الإرهاب ولجمه، إلا أن الخطورة تكمن في الوسائط السهلة المتاحة بين أيدي آلاف القتلة في هذا العالم. نتمنى أن تستيقظ الحكومات الغربية لوضع شركات مثل »تويتر« وغيرها، ضمن النظم والأخلاقيات، والقيم الإنسانية التي رعتها القوانين والتشريعات. الإرهاب يسكن الإعلام الجديد أيها السادة، ولكن السؤال كيف ستتم مواجهته؟.