“المنطقة فوق برميل بارود”! قال الملك عبدالله بن عبد العزيز هذه العبارة قبل فترة، والمنطقة اليوم تزداد توتراً. الدول العربية تكاد تكون بلا مستقبل إلا ما ندر، استمرار ازدياد نسب الأميين، والمتعلمين العاطلين، وكثافة في النسل، الأمر الذي يجعل من إمكانية الظفر بجو تعليمي مناسب للإنسان العربي أمراً صعباً. في السعودية مثلاً هناك ربع مليون خريج من المرحلة الثانوية من البنين والبنات (عدد مقارب لعدد القطريين) يبحثون عن كليات تناسب ميولهم، حتى لا يذهبون في أفكار سوداوية ملحة ومؤذية، ولا أن تمتد لهم أيادي التجنيد الإرهابي، فيجدوا طريقةً لعيش الحياة. السياسة اليوم تؤثر سلبياً على المجتمعات العربية، القضايا العالقة أو الاستحقاقات المؤجلة أو النزاعات والحروب الأهلية كلها تؤثر في نفسية الإنسان العربي وتجعله منكسر الوجدان. تحدث سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية الإمارات، في “حوار المنامة” بمنطق، ووقع على لب المشكلة حينما قال وبصراحة:”التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوسيلة الأمثل لضمان الأمن”، فلا التشدق بالمشاريع والأوهام القومية يفيد، ولا العبث السياسي المسمى بـ”الديمقراطية” أفاد الناس ولا نفع العرب. وأضاف:”المنطقة تواجه في الوقت الحاضر طيفاً كاملاً من التحديات والأزمات، تمتد من باكستان وأفغانستان في الشرق إلى الصومال واليمن في الغرب. ولكننا اليوم لا نواجه أزمة أمنية حقيقية فحسب، بل إننا نواجه خطراً أكبر من ذلك بكثير، يتجلى في صراع أيديولوجي يهدد مستقبل المنطقة ككل. الوسيلة الأمثل لضمان الأمن تتمثل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، إذ أن التطرف يستمد قوته من ضعف الأمل والفرص، لاسيما بين جيل الشباب، ومن شأن الانفتاح وتعزيز المشاركة مع المجتمع الدولي أن يعود بالفائدة على أمن الجميع، سواء عبر الرياضة أو التجارة، والحوار الثقافي أو السياسي يمنح التبادل والمشاركة الدولية، ولجميع الأفراد مصلحة مشتركة في مستقبل إيجابي ينعم بالسلام”. يعني أن الأمن لا يأتي بالطرق العسكرية فقط، بل يأتي بالتنمية بتوفير فرص العمل، وبتمكين الإنسان من التعلم الجيد، بل وبالترفيه وتوفير وسائل السعادة والرفاهية، كما يمكن ترسيخ الأمن من خلال الصحة والتقدم في الطب والرعاية الاجتماعية. مهمة الحكومات توفير الأمن ليس من خلال السلاح، وإنما من خلال التنمية، هذا المنطق هو الأكثر فعاليةً اليوم في دول العالم الثالث. هناك بلدان صارت ديمقراطية ولديها حركة سياسية وأحزاب لكنها أصيبت بالتشويش والصداع، لأن الدول العربية والثقافة العربية لم تستطع إيجاد طريقة للجمع بين الديمقراطية والتنمية، وصلنا إلى طريق مسدود واحد، إما التنمية وإما الديمقراطية. والناس بطبيعة الحال تحتاج إلى خبز ومأوى أكثر من حاجتهم إلى جريدة مليئة بالشتائم باسم الحريات. مما لفت نظري في كلمة الشيخ عبدالله بن زايد إشارته إلى ضرورة “تغيير العقليات”، حين يقول: “ليس بإمكاننا الفوز في حرب إيديولوجية إلا عبر تغيير العقليات، ومن أجل تغيير العقليات في المنطقة يتعين علينا أن نوضح للناس وجود أسباب متعددة تدعوهم إلى التفاؤل حيال المستقبل تشكل هذه الرؤية التي تحملها دولة الإمارات منهجية إيجابية بديلة لتعزيز الأمن والتي ننتهجها لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة”. يدعونا الشيخ عبدالله إلى التفاؤل، وإلى تغيير العقليات لتوفير ذلك التفاؤل، وطرح منهج بديل من أجل للتنمية، للخروج من دوامات الاضطراب، التي تحيط بالمنطقة، وشهادة حق أقولها، مع احتفالنا بـ”اليوم الوطني” هنا في الإمارات، أنني شاهدتُ نجاحات تحقيق الأمن عبر التنمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فلا خفض الله لهذه البلاد راية.
جميع الحقوق محفوظة 2019