تشويه الابتعاث والمبتعثين لم يعد سرا. أحد المبتعثين لاحظ قلق أهله عليه، وسؤالهم المستفيض عنه وعن تحركاته خوفا عليه مما سمعوه من شائعات عن المبتعثين من مخدرات وفسوق وخنا ورذيلة، ومنذ أن لاحظ ذلك التوجّس العائلي راح المبتعث يطمئنهم بشتى الوسائل، وهو يعاني من هذا السوء الذي لحقه هو وغيره من الطلبة المجدّين الذين لم يكونوا إلا رسل خير لوطنهم وأهليهم ومجتمعهم. وأنا أسأل كيف يمكننا أن نستسهل الذم والقذف والتشويه والتشهير، ونعجز عن إدراك الإيجابي والمضيء في أي خطة أو مشروع تعليمي؟
الابتعاث الذي انتهجته السعودية وبعض دول الخليج لن يأتينا إلا بالخير، وإذا كانت هناك سلوكيات من قلة ضئيلة من المبتعثين فإن هذا لا يصدق على البقية. إذا كنا نتحدث عن مئة ألف مبتعث فمن الطبيعي أن يخطئ عشرة أو عشرين أو أكثر لكن خطأ أولئك لا ينطبق أبدا على الآخرين. بل على العكس وجدنا من يكتب يومياته، ومن دوّن قصة ابتعاثه ومن روى رحلته مع الدراسة، وهذا إنتاج أدبي محمود ورائع. والذين تم تكريمهم في بريطانيا وكندا من الطلاب هم الذين يجب أن نلتفت إليهم.
أتمنى من أي داعية يتناول الابتعاث بالذم أن يضع شريطا عن إنجازات المبتعثين، أو محاضرة يسرد فيها العباقرة والأذكياء الذين حصلوا العلم الغزير والشهادات العالية، لماذا لا يذكر إلا النماذج السيئة القليلة جدا جدا؟! وتطمس معالم الإبداع والابتكار لدى المبتعثين؟! أليس الابتعاث رحلة في طلب العلم؟!
كان العلماء في الإسلام يرحلون شرقا وغربا للاستزادة من العلم، فالرحلة الشاقة للطلب والتعلم سمة من تراثنا الإسلامي، والابتعاث مثلها. نعم يرحل الشباب لدراسة الطب والهندسة والرياضيات ليعودوا إلى بلدانهم ويسهمون في التنمية والنهضة، ولن يكونوا إلا إضافة فارقة في مجتمعنا ولوطننا. فلا مجال للمزايدة على أخلاق أي إنسان كان. لا نحتاج إلى القذف الجماعي لمبتعثين ومبتعثات يشقون من أجل التحصيل والدرس.