لا أزال ممتناً للمعلمين الذين كانوا يعلموننا بسلوكهم قبل أقوالهم وكلماتهم. ولا عجب؛ فإن أبلغ أنواع التعبير هو ذلك التعبير بـ”القدوة”، وليس بالخطب والتعابير.
صنف المعلمين القدوات أصبح نادراً للغاية. حينما نتحدث عن ثغرات المعلمين فإننا لا نعني الكل، بل نعني الجوانب السيئة التي تبدو من البعض. والناقد عادةً يتناول السلبيات، أما الإيجابيات فهي الأصل، ولو تحدثنا عن الإيجابيات الموجودة في المجتمع لاحتجنا إلى مقالات كثيرة. السيئ هو ما نذكره بغية تداركه، لسدّ الثغرة والقضاء على ما يمكن أن يشوّه ويضر.
قبل أيام تناقلت الصحف خبر تعذيب معلّم لطالب بـ”سلك كهربائي”!
الطالب عبد الرحمن الغامدي تعرض للضرب على يد معلمه بواسطة سلك كهربائي خاص بالكمبيوتر كان يخبئه داخل حقيبته. الإصابات التي تعرض لها الطالب دفعت والده إلى حمله مباشرة إلى برج الدمام الطبي، حيث تحصل على تقرير طبي يؤكد تعرض ابنه للضرب المبرح، ودونت من خلاله وجود آثار للعنف على الظهر وكدمات بالفخذ الأيمن وخدوش بمنطقة الحوض، وأوصى التقرير بمنح الطالب خمسة أيام للشفاء.
قلتُ: ولا أدري أيّ تعليم يمكن أن يثمره التعليم بالأسلاك. فيما ينسى بعض المعلمين أن يكون قدوةً. روى الجاحظ أن عتبة بن أبي سفيان لما دفع ولده إلى المؤدب قال له:”ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بَنِيَّ إصلاح نفسك فإن أعينهم معقودة بعينيك، فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت”. بمعنى أنك أنت المنهج، وأنت الأسلوب، ولو كان الإنسان قدوةً في سلوكه وطريقة حديثه وكلامه وتعبيره، لاتخذه الطلاب أستاذاً. أن يقبلك الناس أستاذاً هذه منحة مرتبطة بالسلوك والأخلاق، لا بالأسلاك والفلكات والعصيّ.
قال أبو عبد الله غفر الله له: لطالما كان المعلمون مصدر ثراء بالنسبة للقصص والحكايات. ولعلّ الجاحظ أوّل من خصص لهم مادةً متكاملة تضم “نوادر المعلمين”، ولا أظنّ أن الجاحظ كان يتآمر ضد كل المعلمين، بل كان يصف حالة اجتماعية هي مزيج من احتكاك المعلم بالطالب والطالب بالمعلم، واحتكاك مؤسسة التعليم ككل بالمجتمع.
إن الأسلاك التي” لزخت” جسد الغامدي البريء يجب ألا تذهب هباءً، فهذا الاستهتار بالأجساد وبالطلاب يجب أن يقف، ومن المفترض أن تتدخل الجهات الأمنية لحماية الأطفال والصغار من بعض المعلمين الذين يعشقون التعذيب، ونحن نعلم أن من ثبت وجود هذا الداء لديه-داء التلذذ بالتعذيب- يكون مكانه المصحّات النفسية، لا مؤسسات التعليم.