التغيير السياسي وحده لا يكفي، ما لم يربط بتغيير ثقافي واسع. الشعب الليبي عانى طويلاً مع معمر القذافي، وأخذهم بحكمه بالحديد والنار والخرافات والغرائب، ثاروا عليه، دفعوا الثمن الغالي، آلاف القتلى في ليبيا حتى تخلصوا من القذافي، من بعد تدخل “الناتو” وحين سقط القذافي “ذهبت السكرة، وجاءت الفكرة”، كما قالت العرب. انتهت نشوة الفرح والاحتفال، واندثرت الأحلام، وبدأت الحرب القبليّة الدامية، وانتشر الإحباط. صحيفة “واشنطن تايمز” تحدثت عن هذا الإحباط، وخصّته بتغطيةٍ وافية. أجرت لقاءاتٍ أثبتت من خلال من شارك أن الثقة بالنخبة السياسية الحاكمة بليبيا مهتزّة، ولم تعد موجودة.
حكيم غادي- أحد الناشطين الداعمين للديمقراطية في طرابلس- يقول :”الناس الذين سبق لهم أن دعموا الثورة شبه متأكدين الآن من مشاعرهم لأنهم لا يرون أي بصيص من الضوء في نهاية النفق. فكثير من المشكلات القديمة تعاود الظهور على نحو أقبح”. محمد بنراسالي، أحد سكان مدينة مصراتة (غرب البلاد)، قال: “لم تسر ثورتنا في مسارها. وكل ما فعلناه حتى الآن هو أننا تخلصنا من رأس النظام، وهذا غير كاف، المشكلة هي أن هناك رئيس وزراء جديدا، لكن نفس الآلية القديمة تعمل من خلفه. فالثورة لم تصل إلى كل أركان الحكومة”!
تقول الصحيفة إنه: “في الوقت الذي يحتفل فيه الليبيون بالذكرى السنوية الأولى لثورتهم، تمت إقامة العديد من نقاط التفتيش الأمنية في المدن المختلفة، وحظرت الحكومة عمليات إطلاق النار الاحتفالية والمواكب المتباهية، التي كانت من المشاهد المألوفة إبان حقبة القذافي”!
معنى هذا أن التغيير السياسي لا يكفي، أحد الليبيين يطرح اقتراحاً ظريفاً حين يطالب بتعليم السياسيين الليبيين للسياسة، وأظن أن هذا الاقتراح يعيدنا إلى الجدوى من الاكتفاء بالتغيير السياسي.
قال أبو عبدالله غفر الله له: قيمة التغيير الثقافي أنه هو الذي يحمي أي مجتمعٍ من عواقب اختفاء الدولة أو انتهاء النظام أو مقتل الزعيم، حيث يحصنهم التغيير الثقافي من الحروب الأهلية، والمطاحنات البينية، وأجزم أن الذي تعانيه ليبيا عانت منه مصر على نحوٍ أقل، لكنها عانت منه. وقد أشار حسن حنفي وهو المفكر المصري إلى أن التغيير الثقافي يسبق التغيير السياسي، وذلك بعد أن ذاق المصريون مأساة التوتر الأمني داخل المجتمع المصري الواحد، وما الإحباط الليبي إلا أحد آثار غياب ذلك التغيير الكبير!