شكّلت الحركات الإسلامية في العالم العربي عائقاً عن تطور البلدان التي نشأت بها. لنتخيل السودان، وتونس، ومصر، وتركيا، وليبيا، وسواها من دون تلك الأحزاب. مشكلة تلك الأحزاب في تركيبتها العجيبة، فهي تعتقد أن الإسلام هو الحل، وأن المصير الذي ستؤول إليه الشعوب حين تتسيد المشهد هو الحق المطلق وهو الطريق الوحيد لرضا الله. ومن هنا تأتي المشكلة، أن الحزب يربط الطاعة للحزب بالطاعة لله، يربط الدنيا بالدين. على حين أن الحزب المدني يعتمد على البرامج التي يطرحها، بين الناخب والحزب، رؤية البرنامج لا تقييم الشخص على أنه ورع أو زاهد. لم تكن الولاية تعطى لمن كان أتقى في عهد النبوة، بل لمن كان أصلح، وإلا فإن أبا ذر وسواه كانوا من الأتقياء، غير أن النبي لم ير في مثله مؤهلات القيادة. نموذج الإسلامية التركية مثلا، في زمن أردوغان وغيره، والصراع بينه وبين فتح الله غولن، كل ذلك أشعل السجال حول ضرورة الأحزاب الإسلامية في الحياة السياسية. الاختلاف بينهم في الدرجة وليس في نوع الانتماء المسيس للإسلام، ولهذا يقول غولن: «إذا كان المسلمون في بلد ما يمارسون شعائرهم الدينية بحرية، ويتمكنون من إنشاء مؤسساتهم الدينية بلا عوائق، ويستطيعون أن يلقنوا قيمهم الدينية لأبنائهم ولمن يرغب في تعلمها، ولديهم الحرية الكاملة في التعبير عنها في النقاشات العامة، ويعلنون عن مطالبهم الدينية في إطار القانون والديمقراطية، فإن حاجتهم إلى إقامة دولة دينية أو إسلامية لا تعود ضرورية. والتاريخ يشهد على أن حركات التمرد والثورات والانقلابات وأحداث العنف دائماً ما تجر البلاد إلى الفوضى والمآسي، وتفقدها في نهاية المطاف كل مكتسباتها في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتكبد الشعوب أضراراً وخسائر لا يمكن تلافيها»! كذلك قال بعض علماء الشيعة مثل محمد مهدي شمس الدين، ومحمد حسين فضل الله، لكن هذا الكلام يطرح من رموز دينية لها ممارسات سياسية، فهل هذا الكلام سينعكس بشكلٍ إيجابي على الأحزاب الإسلامية؟! جميع التجارب التي خاضتها الأحزاب الإسلامية لم تكن معتدلة، حتى وإن اعتدل رموزها في الكتب والفتاوى، وهذه هي المسافة بين المرشد الروحي للحزب، وبين رئيس الحزب والممارس للسياسة. لنقرأ أفكار حسن الترابي وراشد الغنوشي في الحريات، تجدها مطاطة، لكن حين نفحص الممارسات نصاب بالصدمة لشدة العنف والتطرف الذي يمارسونه. ساهم حسن الترابي ومن معه في تراجع السودان، وكذلك فعل الغنوشي في تونس، ويفعل نصر الله في لبنان، وفعل محمد بديع في مصر. لا ضرورة للأحزاب الدينية، بل وجودها خطر، الضرورة للبرامج المدنية المتطورة والفاعلة.
جميع الحقوق محفوظة 2019