أتعجب ممن يدافع عن الحق بممارسة الباطل!
أستغرب ممن يريد أن ينتصر لدين الله بقلة الأدب، فتراه يسب هذا وينتقص من هذا، ويدعو على هذا، معتديا بدعاء لم نره يجري على ألسنة الهداة المهتدين ولا السلف المتقدمين!
يدعو على من يتفق معه في الدين، ويختلف معه في التوجه، بأن يشل الله لسانه ويهز أركانه ويجمد الدماء في عروقه!
جاءت الأديان لتجعل الناس أكثر سعادة، وصفاء ونقاء.
جاءت الأديان بالرحمة، وأكد الله ذلك في تحديد مقصد البعثة النبوية، فقال لنبيه الكريم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
والرحيم بالناس المشفق عليهم، حريص على ذلك، بل كيف يغيب عن هؤلاء قول الحق تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
ألم يتأملوا كيف أن الله ربط العلم بالهداية والضلال بنفس الإنسان، لا بغيره، رحمة بالعباد، لجهة أنه أراحهم من هذا العبء، ليرفقوا ببعضهم، فهو تعالى أرحم بخلقه، والخلق عيال الله، كما في الحديث، وهو سبحانه العفو ذو الرحمة.
ثم تعجب من جديد أن يستغل هؤلاء بضعة روايات عن الصحابة، ورد فيها سباب، متناسين نصوص الأدب وحسن الخلق والرفق في الدعوة، مقابل أثر أو أثرين.
جاء ناصح إلى أحد الخلفاء فقال له: إني ناصحك فمغلظ لك في النصح فاستمع، فقال له: والله لا أسمع لك، فإن الله بعث من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني، بعث موسى وهارون إلى فرعون، فقال لهما: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).
أين هؤلاء من أحاديث الرحمة التي تؤكد أن لله مئة رحمة، أنزل منها واحدة بها يتراحم الناس، وترحم الأم وليدها، وترفع الدابة حافرها عن وليدها، وادخر عنده تسعة وتسعين رحمة؟!
أعاننا الله على من يزعم أنه يدافع عن دينك بالغلظة، وينتصر للحق بالقسوة، ويحمي حمى الدين بقلة الأدب!