من المؤسف في عالم الأخبار، أن القصص تنافس بعضها، إلى درجة أن تسحق قصة خبرية شقيقتها.
بقي العالم يترقب أشهر 28 صفحة في التاريخ الحديث، تلك الصفحات التي قرر البيت الأبيض أن يحجبها عن النشر، فاستخدمتها جماعات الضغط المعادية للسعودية، معتبرة أنها تحمل دليل إدانة مسبقاً للرياض، والحكومة السعودية، والأسرة الحاكمة، ولأكثر من عشرين مليون سعودي، ولمئات الملايين من محبي السعودية، شعباً وبلاداً وثقافة.
مشكلة الأحكام المسبقة، أنها تصدر وفقاً للتفكير الرغبوي، بناء على ما يتمناه الخصم، لا استناداً على الوثائق والإثباتات والأدلة. بقي خصوم السعودية الألداء، وفي مقدمتهم اللوبي الإيراني في أميركا، والمستفيدون من العداء للرياض، بحثاً عن مكاسب سياسية أو انتخابية أو جماهيرية، يرددون الحديث عن الثماني وعشرين صفحة المحجوبة، وكأنها الدليل الدامغ، على تورط الحكومة السعودية، في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي ضربت الولايات المتحدة في 2001!
يوم الجمعة الماضي، أفرجت الحكومة الأميركية عن الصفحات المحجوبة، وتبين أنها لا تحمل إدانة بأي شكل للحكومة السعودية، لكن هذا الخبر المجلجل ما كاد يظهر حتى تبعه بعد أقل من ساعة وبشكل متلاحق أخبار الانقلاب التركي الفاشل! ملأت أخبار الانقلاب التركي الوسائل الإعلامية، فغطت على أخبار الصفحات المحجوبة، وفرح الذين كانوا يستخدمون حجب الصفحات لعداء السعودية، لا بكون الصفحات المفرج عنها، لا تحمل إدانة للرياض، بل لكون هناك ما ملأ الماكينة الإعلامية وأشغلها عن براءة السعودية من دم سبتمبر.
طالبت السعودية بكشف الصفحات منذ زمن بتصريحات للراحل الأمير سعود الفيصل، ثم لعادل الجبير، وفي المقابل كان موعد إيران لدفع تعويضات تصل إلى 21 مليار دولار لأهالي الضحايا.
قبل أشهر، ذكرت صحيفة «بلومبرج» الألمانية، أن جورج دانيلز، قاضي محكمة بنيويورك، أصدر حكماً غيابياً في 9 مارس 2016، بتغريم إيران 7.5 مليارات دولار، لشركات التأمين وعائلات الضحايا في أحداث سبتمبر! إيران عجزت عن إثبات براءتها في مساعدة الإرهابيين – يضيف دانيلز – الذين نفذوا تلك العملية الإرهابية، مؤكداً أن طهران فشلت في الدفاع عما وصفه بأنه «مساعدة منفذي سبتمبر الإرهابية»، الأمر الذي أدى إلى جعلها تتحمل المسؤولية عن الأضرار المادية والمعنوية المرتبطة بالهجمات.
الخارجية الإيرانية نفسها ذكرت أن بعض المنفذين لهجمات سبتمبر مروا من أراضيها. بينما أسامة بن لادن يعترف بدور إيران برعاية أهله وأصحابه وجنوده، وهذه العلاقة ليست اتهاماتٍ سياسية بقدر ما أثبتتها الصيغ القانونية والإجراءات الرسمية من المحكمة في نيويورك.
وقد انقلب السحر على الساحر، بعد أن كانت إيران تضخّ بكل الوسائل مدعيةً الدور المباشر للسعودية في أحداث 11 سبتمبر، تجرّعت هي العلقم. وإلا فماذا يفعل سيف العدل في إيران؟ وكيف استطاع صالح القرعاوي تأسيس كتائب عبدالله عزام من إيران؟ ولماذا يقيم ما يتراوح بين 100 إلى 500 عنصر من تنظيم القاعدة على أراضيها.
بين 2001 و2016 سنوات من الافتراء على السعودية، الجنسيات التي حملها المفجّرون لا تعني أبداً إدانة للمجتمع بأكمله أو للدولة، الأخطر من ذلك هذه التهيئة الميدانية والواقعية على الأرض لأولئك الإرهابيين بالمال والتدريب والرعاية.
إيران الآن متغلغلة في قضايا الإرهاب من دعم الحشد الشعبي، والصمت والتطبيع مع داعش، والرعاية لتنظيم القاعدة وخاصة الزعيم القادم حمزة بن أسامة بن لادن الذي ترعرع وتربى في إيران، وليس انتهاءً بحزب الله في لبنان، والمنظمات الشبيهة له في الخليج والعالم، وتقوم بالتغطية على العمليات المشبوهة، وترتيب الاغتيالات ضد المعارضين للنظام الإيراني في العالم.