يسافر الناس حول العالم في إجازاتهم، للتخفف من كآبة الرتابة، وكسر قالب التقليدية، علهم يعودون إلى أعمالهم بنفسيات مشرئبة، منفتحة للعطاء، متطلعة للإنتاج. هذا السفر الذي بات اليوم جزءاً لا يتجزأ من حياة معظم البشر حول العالم، وهو ما اصطلح على تسميته بالسياحة.
بحسب تعريف منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، ف «السياحة هي نشاط السفر بهدف الترفيه، وتوفير الخدمات المتعلقة لهذا النشاط. والسائح هو ذلك الشخص الذي يقوم بالانتقال لغرض السياحة لمسافة ثمانين كيلومترا على الأقل من منزله ». واللافت أن ال 80 كيلو التي تجعل المسافر سائحاً، هي ذات ال 80 كيلو التي حددها الفقهاء مسافة لتحقق أحكام السفر من القصر والجمع ونحوهما.
011 كان عاماً صعباً لجهة الأزمات والثورات والاحتجاجات، ومع ذلك بلغ السائحون حول العالم في هذا العام نحو المليار ) 980 مليوناً(، توجه منهم 503 مليون سائح إلى أوروبا. بزيادة بلغت 4.4 بالمئة عن 2010 ، مع توقعات بزيادة متوقعة في 2012 م.
ماذا عنا نحن السعوديين؟!
كنت قد أطلقت علينا معاشر السعوديين لقب: »شعب الله المسفار ،» فالإحصائيات تتحدث عن عشرة ملايين سعودي سافروا هذا العام، وهو ما يشكل واحداً في المئة من مجموع سائحي الدنيا! انتشر هؤلاء حول العالم، بعدما فشلت السياحة الداخلية عن استيعابهم! وبقي السؤال الكبير منتصباً: لماذا يهرب الناس من السياحة الداخلية إلى السياحة الخارجية؟!
يحاول الناس أن يجدوا حريتهم في السياحة الخارجية، إذ تكون العائلة مترابطةً في برنامجها السياحي، يدخلون إلى مدن الترفيه، والمولات،
والحدائق، والمتاحف مع بعضهم البعض، لا يضطرون لأن يضعوا أبناءهم البالغين مع والدهم أسارى للحسرة والتجوال الممل بسبب كون الأبناء بالغين لا يحق لهم الدخول إلى المدن الترفيهية مثلاً. ومع أن العالم يقدر تنوع الثقافات، إلا أن فكرة كهذه متعذرة على الشرح لشخص في كوريا، أوبلجيكا أو غانا، أو المكسيك. يمكن للعائلة أن تقضي كل نشاطاتها مجتمعة في كل الدنيا،)باستثناء بلادنا(، دون حرج أو فصل. لأن العائلة في مجتمعنا للأسف تتنازعها آليتان، إما المبالغة بالنصح والوعظ والتكثيف للإرشاد، أو الإرهاق الذي تسببه المعاكسات والطيش الشبابي. وهاتان الآليتان ترهقان الأسرة وتعطّلان من برنامجها، أما حين تسافر إلى الخارج فإنها تتجاوز هذه العوائق عن المتعة.
تعجبني بخصوص الوعظ مقولة للأستاذ إبراهيم البليهي اعتبر فيها: «إننا لا نعاني من قلة الوعاظ »، وبالفعل، نحن مجتمع لديه من رصيد سماع الوعظ الشيء الكثير، وليست الحياة كلها إرشادات، فقد فطرت النفوس على عدم محبة النصح.
السبب الثاني للسياحة في الخارج كثرة خياراتها، فلا تحتاج إلى أن تنصاع لخيارٍ واحد، بل بإمكانك أن تختار الكثير من البرامج السهلة، وتصنع أنت سلوكك الذاتي انطلاقاً من مبادئك، طالما التزمت بالأنظمة والقوانين، دون أن يتدخل أحد بتحديد خيارك. محدودية الخيارات في السياحة الداخلية أدت إلى ذهاب الناس إلى السياحة في الخارج لأنها تعطيهم لحظة السلام والحرية والفردية التي يبحثون عنها بشكل حثيث. الخيارات العديدة تجعل من البلد ملهماً في الخطط السياحية، حتى تحولت المنافسة بين الدول السياحية محورها تكثيف الخيارات، بغية استقطاب السائح!
ومن أبرز محفزات سفر الناس إلى الخارج، وزحف الملايين العشرة إلى أصقاع الأرض، البحث عن الجديد، صحيح أن بعض السائحين العزاب يمارسون أشياء غير لائقة، أو يبالغون في الاستعراض بالسيارات والماركات ويرسمون أحياناً صور التفاهة والاستهلاك في البلدان التي يذهبون إليها، غير أن بعض العائلات للأمانة تذهب فعلاً لزيارة المتاحف، ولحضور المسرحيات، وللتمتع بالخيارات الجميلة في البلد الذي يزورونه، بما يضيف لهم من خلال سياحتهم بالإضافة إلى التسلية المعلومة المفيدة، والاستمتاع بالفنون، واستنشاق عبق التاريخ والسباحة في الحضارات الإنسانية المختلفة، والانفتاح على تاريخ المجتمعات وقصص الشعوب.
الفرق بين السياحة الداخلية والسياحة الخارجية ببساطة هو فرق ثقافي، الناس يبحثون عن الحرية، عن المسؤولية المنضبطة بالشارع بعيداً عن ممارسات الشباب الطائشين، والعائلات ترغب بأن تكون مطمئنةً منشرحة تمشي على الأرصفة بهدوء وسعادة وسكينة.
يتحدث أحد الأشخاص عن السياحة الداخلية في برنامجٍ تلفزيوني ويذكر أن المبلغ الذي سيصرفه في إحدى المدن السياحية السعودية الداخلية يمكنه أن يصرف أقل منه في بعض المدن السياحية الأوروبية. إن هذا الغلاء الجنوني، الواقع دون رقابةٍ، هو أحد أسباب السفر إلى الخارج.
السياحة الداخلية تمر بامتحاناتٍ صعبة، ومع تقديري للمسؤولين عن السياحة الداخلية بمؤسستها الحكومية، أو بالاستثمارات الاقتصادية، غير أن الجانب الثقافي والتغيير الحقيقي للأنظمة السياحية ولبعض الأفكار الاجتماعية هو المدخل لأي إنعاشٍ يراد للسياحة الداخلية، فهل يمكننا أن نفعل ذلك؟