قال أبو عبدالله غفر الله له: والشامتون في الأرض قومٌ من بني جلدتنا، يأكلون طعامنا، ويعيشون بين ظهرانينا، لكنهم يستاؤون من نجاحك، لأنهم لا يعملون، أو لا يعرفون كيف يشمرون عن سواعد الجد. يجلسون في منازلهم، يتكئون على آرائكهم، يحتسون قهوتهم، ولا يفعلون شيئاً سوى أن يلوكوا سيرة العاملين، الناجحين، بألسنة شداد. إذا رأوا نجاحاً، بحثوا عن ثغراته، وإن شاهدوا متميزاً فتشوا عن عيوبه. هم كالذباب الذي لا يحسن الوقوع على شيء سوى القاذورات، فهم لا يرون إلا سواداً، ولا يفتحون أعينهم إلا في المناطق الرمادية. ليس في لغتهم غير مفردات التخذيل، ولا في قاموسهم غير ألفاظ الإحباط. لا يفشلون، ولا يعرفون للفشل طريقاً، فهم لا يعملون أصلاً، كما أنهم سادرون في غي الفشل، ومن لا يعرف غير الفشل، لا يحس بمرارته. لقد التقط أبو الطيب هذا المعنى بروعته المعهودة ليقول: ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍ مريض يجد مُرا به الماء الزُلالاً الشامتون في الأرض، أيها السيدات والسادة، قد يكونون أفراداً، أو مجموعات، أو شركات، أول حتى دول… ولأنهم لا يعرفون طعم النجاح، فإنهم يجدون في فشل غيرهم لذة، لأن ذلك يوسع دائرة التردي التي يعيشون فيها. إن نجاح غيرهم يجعلهم في وارد المقارنة بغيرهم، وهم يكرهون أن يورد أحد ما يحرك ضمائرهم، أو يستثير عزائمهم، لأن الضمائر والعزائم تتعطل بقلة الاستخدام. كأني بالشاعر والصحافي اللبناني قد استحضر هؤلاء الشامتين أمامه وهو يقول: أيها الشامتون لؤماً بنا لما دهانا من دهرنا ما دهانا لم يُضرنا أنا شقينا ومتنا قد نجونا بعرضنا وكفانا أيها المطعمون خيلكم القمح وأولادنا تسف الزؤانا نحن جعنا ولم نهن وسوانا كثر الزاد في يديه وهانا أيها الرافلون بالخز زهواً نحن قوم نفضل الأكفانا ليس من يلبس الدمقس بذي سترٍ إذا كان عرضه عرياناً أيها المفتدون أرواحهم بالعرض يولون أمره الشيطانا قد حميتهم أرواحكم وبذلناها لنحمي الأعراض والأوطانا نعم… فقد غاب عن أذهان الشامتين أن من يتعثر، لا يموت، وأن من يسقط لا ينتهي، فمن يعرف النجاح، يتعلم من العثرة النهوض، ومن يدمن التميز، إن أصابته هزة قوته، والضربة التي لا تقتلك تقويك، والمرتخون لا يصنعون تميزاً، ولا يحققون نجاحاً، إنما يحققه من تدعكه الأزمات وتصنعه المصاعب وتربيه الشدائد. ثم إن الشامتين يتنسون أو يتناسون أن شماتتهم بالعثرة، دليل على أن من يشمتون به لم يكن ليتعثر لولا أنه واقف منتصبٌ. وإذا خفيتُ على الغبي فعاذرٌ أن لا تراني مُقلةٌ عمياءُ إننا ندرك يقيناً أن الفشل والتعثر هزيمة مؤقتة في موقعة وليس هزيمة في الحرب كلها. نعرف تماماً أنه يخلق لنا فرصاً جديدة للنجاح. كما أنا قومٌ نفخر بأخطائنا ونعترف بها لأننا نعرف أن الذين لا يصححون مساراتهم يرتدون بردعة لا تريهم إلا ما تقع عليهم أنظارهم القصيرة… وختاماً… اشمتوا كما شئتم فما أشبهنا وأشبهكم بما قاله الشاعر العربي القديم: كُتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جرُ الذيول!
جميع الحقوق محفوظة 2019