قبل عام من الآن قال رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، إن التعاون الأمني مع السعودية يبقي بريطانيا أكثر أمنًا، وقيل مثل هذا التصريح بمضمونه من مسؤولين أوروبيين وأميركيين. تمثّل الخبرة السعودية في التعامل مع الإرهاب أهم كنز أمني في المنطقة على الإطلاق، لقد أسهمت الاتفاقات الأمنية في كشف خلايا خطيرة في الإمارات والبحرين والكويت، وكذلك ساعدت الأوروبيين في التعرّف على بعض هويات الإرهابيين، أو التحوط تجاه بعض الأسماء، واحتمال قيامهم بأعمال عنف.
تاريخ السعودية مع الإرهاب بدأ مبكرًا، مقارنة بدول المنطقة الأخرى، فهو يعود لنهاية السبعينات، منذ احتلال الحرم المكي، ثم تعمق منذ منتصف التسعينات حين بدأت عمليات نوعية آنذاك، تمثلت بتفجيرات العليا ومن ثم تفجير أبراج الخبر، وبلغت الذروة بعد الألفية الحالية، وقد نالت السعودية الإرهاب السني والإرهاب الشيعي على حد سواء، وكما استهدفها بن لادن، ويوسف العييري، وسيف العدل، فقد استهدفت من الاستخبارات الإيرانية، وحزب الله بفصائله، وعماد مغنية، ولم يكن لمقدس عندهم اهتمام، فمن مكة للمدينة للحج، خلافًا، لاستهداف الإنسان، أعظم المقدسات!
حدث جدل في الصحافة الأوروبية عن الرقم السعودي الذي استخدمه منفذ الهجوم في ألمانيا. اللواء منصور التركي صرّح بأن أحد عنصري تنظيم داعش الإرهابي اللذين نفذا عملين إرهابيين في ألمانيا الشهر الماضي، استخدم رقمًا سعوديًا عند تسجيل حسابه في موقع التواصل الاجتماعي، مرجحًا أن يكون مقيمًا حاليًا في إحدى مناطق الصراع في المنطقة، وليس في السعودية. ثم يضيف: «تم إجراء الاتصالات واللقاءات وتبادل المعلومات بين المختصين في البلدين، عبر قنوات التعاون الأمني، للوقوف على خلفيات ظهور تواصل عنصر من تنظيم داعش الإرهابي، يُرجح وجوده في إحدى الدول التي تشهد صراعات، مع أحد المتورطين في الجرائم الإرهابية بألمانيا، باستخدام أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي التي سبق تفعيلها تقنيًا من رقم هاتف مسجل في المملكة».
التداولات الغربية هذه الأيام بما يتعلق بالموضوعات السعودية يغلب عليها الجانب المتجني والحساسية المفرطة، إذ سرعان ما تتصاعد النبرة الحقوقية ساعة النقاش حول الأحداث السعودية، وآية ذلك أن قصص الإعدامات الإيرانية لم تتلقَّ الموجة التي قرأناها بعد إعدام إرهابيين في السعودية، تسعين في المائة منهم سنة والشيعة منهم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة!
بل إن الصحافة الإسرائيلية أيدت الإعدامات الإيرانية. هناك ميزان غير عادل لدى الصحافة الغربية، التي تعتبر السعودية وراء كل كارثة في هذا العالم حتى وإن كانت القصة لا تتجاوز استخدام شريحة اتصال للتسجيل في موقع للتواصل الاجتماعي، مما صعَّد اللهجة لتضع المجتمع والحكومة كلها في مرمى تلك السهام المتجنيّة.
هناك مسافة بين الحكومات وأجهزة الإعلام، تدرك الأجهزة الأمنية في المنطقة والعالم، أن السعودية والتعاون الأمني معها يجعل صورة المنظمات المتطرفة أوضح وأكثر جلاءً، وذلك لعدة أسباب؛ أولها: أن المخزون السعودي في الخبرة للحرب على الإرهاب يندر مثيله، وثانيها: الجانب النوعي في العمليات الإرهابية، تفجير المباني، الاغتيالات، تفجير المساجد، استهداف الوزارات، التخطيط والتدقيق، وثالثها: الإحاطة بمجموعة من الأماكن المضطربة القريبة، مثل اليمن، وسوريا، والعراق.. هذا كله يمنح السعودية أولوية لمن يريد أن يحارب الإرهاب أو يتجاوزه.
ربما تكون السعودية دولة تحمل كل عناصر السحر الإعلامي، فهي دولة شاسعة، وغنية، وتحكم بالشريعة الإسلامية، ويلبس مواطنوها عن بكرة أبيهم لباسًا عربيًا، لم يعد العالم شرقًا وغربًا يراه إلا في الأفلام التاريخية، وقصص ألف ليلة وليلة. لكن هذه الفكرة البسيطة يمكن قبولها، قبل أن يصبح العالم من أقصاه إلى أقصاه في متناول يدك بضغطة زر.
السعوديون ليسوا ملائكة، وليسوا شياطين، والتطرف معضلة امتد أثرها ليصيب العالم كله، فهو مشكلة أممية، لا يسهم في حلها التشبث بموضوع كالشريحة، لتحميل السعودية مصيبة كل مشكلة في هذه الدنيا!
جميع الحقوق محفوظة 2019