لا يمكننا أن نحكّ جلدنا بأظفار غيرنا!
هناك عيوب تتعلق بفهم التراث الفقهي. ولعل من أكثر المجالات التي تحتاج إلى عدد كبير من الباحثين والمطّلعين هو مجال إعادة قراءة الفقه بطريقة أخرى.
ويمكنني اعتبار تجربة الدكتور: الحميدي العبيسان من التجارب الجميلة في هذا السياق. عمل على نبش التراث المخفيّ. أخفيت تلك الآراء إما عن قصد أو عن جهل، غير أن الدكتور يحاول وفق جهده وباستمرار أن يقوم بالتفتيش في دهاليز التراث والفقه.
وبمناسبة الجلبة حول الغناء وبسبب الرأي الذي أثاره الشيخ: عادل الكلباني، فإن الدكتور العبيسان له بحث منشور منذ فترة حول الغناء الذي يرى أنه: “أحلّ من أكل السبموسة وشرب الفيمتو”.
وذلك بحسب بحث مطوّل نشر بعضه في جريدة الوطن أثناء مساجلاته مع المحرّمين للغناء جملةً وتفصيلا. كما أن له آراء في قضايا أخرى تتعلق بمسائل ظنّ البعض أن الخلاف حولها مستحيل.
يرى العبيسان أن: (التحرر، هو أن يكون الإنسان غاية وليس هدفا، أن يتمحور كل شيء حول قيمة الإنسان وحريته، القانون الذي يحترم كل قانون لا يصادر هذه الحرية، متى ما اغتصب القانون حريات الناس، ولم يتوافر على الحد الأدنى من احترام حرية التعبير، فهو قانون معتد، ورد المعتدي حق كفلته كل الشرائع، إلا إذا كنت ترى شرعية النظام الذي يصادر حتى حق التعبير، فهذا شأن آخر).
كما يعتبر الليبرالية: (محورها الإنسان، وتتحرره من الاستبداد الاجتماعي والسياسي، الذي ينال من حرية الإنسان) ويقول أيضاً: (من قال لك أن الليبرالية ضد الاختلاف والتعدد؟! نفي التعدد قتل للإبداع وللتطور، ولكن الليبرالية تنظم العلاقة بين المختلفين، ولا تجعل لأحد سلطة ليؤذي الآخر، فحريته تقف عند حرية غيره، والجميع يقدمون وجهات نظرهم، والواقع يمايز ويرشح بينها).
قلتُ: وهذه التعددية في الطرح، وانتشار الآراء المختلفة تتيح لنا الوقوف على آراء أخرى، قد تعجبنا أو لا تعجبنا لكنها ترسخ في داخلنا قيمة احترام المختلف فكراً وفقهاً ومذهباً، ولعل أطروحات الدكتور العبيسان هي من ضمن تلك الطروحات التي تجدد الآراء المغمورة في تراث منسيّ.