أول ما سمعت بالقمة العربية التي عقدت خلال في الخرطوم، تداعت إلى ذهني إحدى أشهر القمم العربية (قمة الخرطوم 1967) التي اشتهرت بعد ذلك بقمة اللاءات الثلاث، وهي: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض!
شهرة قمة الخرطوم الستينية تأتي لأنها اتخذت شعاراً فنياً لها، أشبه ما يكون بعناوين أفلام السينما، أو بالمانشيتات الصحافية اللافتة التي تُحدِثُ دوياً فتبقى في الذاكرة زمناً.
من عوامل شهرة قمة الخرطوم التي تصرّم على عقدها نحو من أربعين عاماً أن لاءاتها الثلاث التي تمحورت القمة وشهرتها حولها، ذهبت أدراج رياح الزمن، ولم يبق منها غير الحرف، وتحولت تاريخاً مكتوباً فقط، دون أن يكون له من دنيا الواقع أثر أو نصيب.
ومع أني لم أولد حين عقدت قمة الخرطوم، إلا أن شهرتها طبقت الآفاق فبلغت حتى من ولد بعدها، وباتت لاءات الخرطوم الثلاث تذكرني بلاءات الفنان السعودي الشهير محمد عبده في أغنيته ذائعة الصيت (الرسايل)، غير أن الفارق بين اللاءات السودانية واللاءات “المحمد عبدوية” أن الأخير اختار خمس لاءات إمعاناً في الرفض قبل أن يقول لصاحبته: لا تردين الرسايل… ويش أسوي بالورق؟!
ولو قُدّر لي أن أقترح على الأمانة العامة في الجامعة العربية، لاقترحت لاءات محمد عبده وأغنيته “الرسايل” نشيداً وطنياً لقمة الخرطوم الأخيرة 2006، واخترت أيضاً لها شعاراً: “لا… لا”! لتصبح القمة “الألفينية” قمة اللاءين الاثنتين!
وإن سألتموني لماذا اخترت لاءين اثنتين فأقول إن ذلك من باب الاختصار والتخفف والتخفيف أولاً، ثم إن عدد اللاءات يجب أن يتضاءل بالتقادم بطبيعة الحال!
أما “لا… لا” التي ستصبح شعاراً للقمة فهي استمرار لحالة الشفافية التي تنتاب العالم العربي من حين لآخر كما آلام الصداع لعمّال المناجم، وهي تعني لا لـ”لا”، أي أن لا الأولى مختصة بالخرطوم الثانية 2006، ولا الثانية تقصد الخرطوم الأولى 1967، والمراد أننا قلنا وسنقول: لا، للاءات الخرطوم الثلاث، بل سنقول لا للاءات المتخرطمة وإن طالت وأصبحت عشراً، سنقول لا للخرطوم 1967 لأن القوم الذين صاغوا بيان القمة الختامي آنذاك كانوا متحمسين أكثر من اللازم، وبعبارة أخرى: كانوا “مصدقين زيادة حبتين”، ونحن نقول: لا للحماس (يمكن أن تفهم لا لـ”حماس”، كما عبر عن ذلك خالد مشعل)، ولا للتصديق!
نشيد القمة الوطني، وقول محمد عبده: “لا تردين الرسايل”، هو إيماءة لكون الحبيبة هي الجامعة العربية ورسائل الحبيبة هي بيانات القمة السنوية، وقوله: “ويش أسوي بالورق؟!”، أي ماذا أعمل بالورق؟ ففيه دلالة على أن قرارات القمم وعلى رأسها قمة الخرطوم اللائية الأولى، إنما هي حبر على ورق، وأن الورق وإن امتلأ حبراً دون معنى حقيقي للكلام الذي عليه، (لا) أثر له!
إذا لم تعجب الفكرة السابقة الأمين العام للجامعة العربية يمكن أن أحوّر له الفكرة لتتواكب مع سياسته في تصريف أمور الجماعة العربية وفقاً لقاعدته التي يمضي عليها: “نحن هنا”، ليكون الشعار الجديد للقمة: “لا… وبس!”، أنا لا، لماذا؟ فيمكن أن تكون لا، لإلغاء الجامعة العربية وأدوارها وإن انعدمت الفائدة من أدوارها، أو: لا لرفض التجديد للأمين العام!
أما أغنية محمد عبده، ففيها ما يشير إلى أنه يتحدث عن قمة الخرطوم الستينية، إذا استمعتم لها بعد متابعة أخبار القمة الخرطومية الثانية، فهو يقول:
في ليلة كانت الفرقا… وليلة عطرها يبقى…
في ليلة كنها الليلة عرفتك بسمتي وفجري…
في ليلة زي ذي الليلة وهبت للأمل عمري…
ويا ليت البسمة ما كانت ولا الإحساس…
يا ريت الدنيا خانتني وكل الناس…
ولا خنتي، هواي أنتي…
ولا قلتي… فمان الله…
وبالطبع فإن المتحدث سابقاً سيكون هو المواطن العربي، مع العروبة كلها وليست الجامعة العربية فحسب!
جميع الحقوق محفوظة 2019