شكلت شخصية عبد الرحمن شلقم مسار الثورة الليبية. الكلمات التي ألقاها على مجلس الأمن كانت الضربة الأساسية التي تلقاها نظام القذافي، على أثرها تدخل “الناتو”، لدك حصون القذافي وكتائبه، فكانت النهاية.
لعب شلقم خلال سنة أدواراً شكّلت تاريخ ليبيا الحالي. صحيح أنه ليس الوحيد الذي كان بالفضاء الثوري ضد النظام الليبي السابق، غير أنه الأكثر فهماً للقذافي ولآلية تفكير القذافي. كان هذا هو عنصر التفوق الذي كسر به طغيان القذافي ضد الشعب الليبي.
في كتابه الصادر حديثاً: “أشخاص حول القذافي”، يسرد تفاصيل حضور سبعة وثلاثين شخصاً بجوار القذافي، كانت تلك الأسماء هي الدولة وهي الأمن وهي الاستخبارات، كانت طبخة القذافي التي رعاها بنفسه. طغاة وضباط وسفراء وأدباء وشعراء، إنهم الأشخاص الذين أحاطوا بالقذافي، وهم الذين أدار بهم مصالحه وحكم بهم الشعب الليبي. يحاول شلقم ـ كما يقول في الكتاب ـ أن يجيب عن السؤال الأهم: كيف تمكن القذافي من حكم ليبيا كل هذه السنوات؟! هل القذافي داهية؟! هل كان القذافي سياسياً محنكاً؟! لماذا لم يستطع أحد هزّ حكم القذافي قبل الثورة الليبية؟!
يقول في الكتاب إن القذافي: “امتلك قدرةً استثنائية على تشخيص طبائع الناس، وتشريح نفسياتهم، وجسّ أحاسيسهم، وقياس قدراتهم، وبالتالي أين يضع كل واحد. يضع له خارطةً خاصةً للتعامل، ومساحة الهامش، وحجم الصلاحية، وطبقة الصوت التي يتحدث بها إلى كل فرد، كان يتسامح أو يفتعل التسامح، يتشدد متظاهراً أو جاداً، يقرّب بقدر، أو يفعل النقيض بالحسابات نفسها، وهكذا تمكّن ولسنواتٍ طويلة أن يوظّفهم جميعاًُ بالفاعلية نفسها وإن كانوا في مواقع شتى ولأغراضٍ متباينة، وكثيراً ما تكون متناقضة وقد رأيتُ من الأشياء الضرورية، استعراض هؤلاء الأشخاص وملامسة مكوناتهم”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: في آخر الكتاب وضع نفسه ضمن الأشخاص الذين مع القذافي، ووجه أسئلةً لنفسه، عن مواقفه من القذافي، وعن سبب بقائه سنواتٍ طويلة مع القذافي إذا كان يعلم عنه كل هذا الطغيان والفجور، وكان الفصل الذي كتبه عن نفسه من أكثر مواضيع الكتاب صراحةً، أن يحاسب شلقم نفسه، لماذا بقي هو مع القذافي؟ ثم يفصّل مسألة الثروة التي تداولها الناس عنه، ومن أين جاء ببيته ومزرعته، ويتحدث عن مكتبته.
لغز القذافي بيد شلقم كشف بعضه، ووعد بصدور كتابٍ آخر اسمه: “سنواتٍ مع القذافي”. إنها حقبة ساخنة من تاريخ ليبيا لابد من تناولها وتوثيقها بقوةٍ وشجاعة. وهذا ما قام به شلقم في هذا الكتاب.