إضاءات – تركي الدخيل
في مايو(آيار)٢٠٠٤، كان العبد الفقير إلى الله، كاتب هذه السطور، يظهر للمرة الأولى في التلفزيون مذيعاً، وإن كان بدأ العمل في صاحبة الجلالة منذ ١٩٨٩، أي قبل ١٥ عاماً حينها. كنتُ بدأت منذ سنتين، تقديم برنامج (إضاءات)، على أثير إذاعة بانوراما، وحقق حينها، نجاحاً جيداً، أهله ليكون برنامجاً تلفزيونياً، على قناة (العربية). أخبرني الأستاذ عبدالرحمن الراشد، المدير العام، لقناة العربية، آنذاك (المشرف العام على ذات القناة اليوم)، وجوب الاستعداد لأول حلقات البرنامج، التي سيكون ضيفها، وزير العمل، د. غازي القصيبي، رحمه الله. كان القصيبي قبل سنوات سفيرا للسعودية في بريطانيا، استلم بعدها وزارة الماء والكهرباء أشهراً، ثم انتقل لوزارة العمل. كان الملك عبدالله (ولي العهد حينها) يرحمه الله، يمنح غازي ثقة كبرى، وضمنها تسليمه ملف العمل، إذ كانت بطالة السعوديين، أمراً مقلقاً للحكومة.
بدأ القصيبي، الذي كان حاسماً في تاريخه الإداري كله، بإجراءات حاسمه، ضمنها تقليص أعداد التأشيرات للعمالة الأجنبية، أمام مافيا التأشيرات، التي تتاجر بالعمال، وأمام فوضى سوق العمل، حيث كان استقدام العمالة الأجنبية مفتوحاً على مصراعيه.
إجراءات الوقوف ضد هذا الواقع، من قبل الوزير اللامع، والنجم الثقافي والصحافي، لم تكن لتمر بسهولة. الغاضبون من الواقع، أكان معهم حق أم لا، لم يكونوا قلة، وأول وظيفة لمقدم برنامج حواري، أن يتبنى وجهات النظر الأخرى.
علاقتي مع الدكتور، كانت منذ عرفته، حتى رحيله، بلل الله قبره بالرحمات، كانت علاقة تلميذ معجب، بأستاذ كبير، ورجل وطن كبير، ولم تتغير لحظة، لكن هذا لا يعني ألا أقوم بواجبي المهني. ربما استغرب الدكتور غازي رحمه الله، جرأتي في قيامي بدوري كما يجب. يكرر البعض اليوم أن القصيبي قال لي إنكم معاشر المذيعين تحبون أن تتحدثون أكثر من أن تسمعوا، والحقيقة أني كنت أحمل ملفاً ثقيلاً لا بد من مواجهة قامة كبرى مثل غازي القصيبي بهذا الملف. عندما قلت له أكثر من مرة أن الملف ساخن، قال: لماذا تكرر أنه ساخن؟ قلت: أرزاق الناس موضوع ساخن يا دكتور! أقر بتواضع الكبار بأن هذا صحيح.
كثير ممن يستخدمون حديث المرحوم اليوم، للأسف، كانوا بالأمس يعترضون عليه، ويستخدمونه اليوم بعيداً عن الموضوعية.
بقي أن أقول، أني مدينٌ بدين كبير لأبي يارا، رحمه الله، فأكبر ما يمكن أن يواجهه أباطرة الدنيا في كل التخصصات، عند ظهورهم في التلفزيون، هو رهبة كبرى، تُصغّر الكبار، وتقزم العمالقة، وترتعد، أمام هذه الأزمة، فرائص العظماء، قلقاً وخوفاً… إنها رهبة الكاميرا.
نسي العبد الفقير إلى الله، رهبة الكاميرا، في أول عمل تلفزيوني له… لأنه انشغل بقامة أكبر من الكاميرا… انشغل بالهامة، غازي القصيبي، وبموضوع كبير، فلم يعبأ بالكاميرا.
فشكراً غازي لأحد أفضالك علي، وإن لم تعرف بفضلك الكبير هذا… رحمك الله!
* السفير السعودي في دولة الإمارات