انتفض محبو أسامة بن لادن عقب مقالتي الأسبوع الماضي التي تساءلت فيها عن شجاعته، ولماذا لم نره قد شارك في أي عملية من العمليات التي يستخدم فيها أبناء الناس، ليكونوا وقوداً لها؟.
انتفضوا غاضبين وأزبدوا وأرعدوا، وسبوا ولعنوا، غضبة مضرية لإمام الإرهاب، وقائد القتلة، ومصدر الدماء والأشلاء. شيخ الكهوف، وإمام المغارات أبي عبد الله الهارب.
قالوا إن ابن لادن قائد, وإن القائد لا يخوض المعارك، وتساءلوا: لماذا لم نر في الجهة المقابلة جورج دبليو بوش، أو توني بلير، على متن مقاتلة أجنبية في بغداد، أو ممتطين صهوة جياد جيوش التحالف هنا أو هناك؟!
ونقول بأن الذي يريد أن يعيد أمجاد الأمة, هو أسامة بن لادن وليس جورج بن بوش أو توني بن بلير. والرسول صلى الله عليه وسلم قاد الجيوش بنفسه، وشارك في المعارك كأي مقاتل، حتى شجت رأسه وكسرت رباعيته وأدميت أصبعه عليه الصلاة والسلام. وهكذا كان كبار الصحابة يقاتلون بأنفسهم. لكن الذي لا يعرفه أحد عن ابن لادن أن يكون شارك في معارك ميدانية حتى في مرحلة الجهاد الأفغاني في الثمانينات. لا يمكن لأحد يتابع الموقف السياسي والعسكري في العالم العربي والإسلامي إلا أن ينظر بالتقدير والاحترام لموقف زعيم سياسي مثل السيد حسن نصر الله، فقد أرسل ابنه في عملية قتل فيها، ثم وقف يتلقى التعازي بشموخ وإباء في فلذة كبده.
لكننا لم نر ابن لادن إلا لساناً يبث الكراهية والتحريض والإقصاء عبر الخطب والبيانات والتسجيلات. لم نره فيما يتعلق بأبنائه إلا محتفياً بزواج أحدهم هناك من ابنة أحد مساعديه!
في العام 1997 كنت في أفغانستان في مهمة صحافية، غطيت فيها الحرب بين الفرقاء الذين كان يمثلهم آنذاك طالبان من ناحية، وأحمد شاه مسعود ممثلاً رئيساً لتحالف الشمال. وصلت كابول وقضيت فيها يومين تخللها مقابلة وزير خارجية طالبان، ثم قطعت جبهة القتال للانتقال إلى معسكر مسعود. وصلنا منطقته ليلاً، وقضيت ليلة في بيت والد زوجته الذي أحسن ضيافتي على طريقة الأفغان عموماً. لم يكن الليل ولا النهار يعرفان للهدوء طريقاً.
بعد عصر اليوم الثالث دخل علينا أحمد شاه مسعود، عائداً من الجبهة التي كان يقود المعركة فيها بنفسه. مسعود, نموذج للقائد المقاتل الحقيقي، ولذلك قتله ابن لادن. لم يقتله مواجهة أو مبارزة، أو حتى في معركة فيها عدوان اثنان، بل قتله غيلة وغدراً، بأن بعث إليه عرباً على اعتبار أنهم صحافيون يريدون أن يجروا معه مقابلة تلفزيونية، وقبل أن يبدأوا التصوير فجروا القائد الفذ، قبل كارثة 11-9 بليلتين فقط!
لا أشك أن ابن لادن ومحبيه عندهم مبررات للغيلة والغدر. وكما برروا في العراق مقتل المواطنين الابرياء، كذلك فعلوا في الرياض والخبر وفي كل بقعة يمتد إليها شرهم. لقد زعموا بأن الله يبعثهم على نياتهم. ولذلك هم يقتلون المدنيين والاطفال والنساء في العراق!
لم أر ميكافيلية كما هي عند جهاديي القاعدة. فهم يبيحون الحرام، ويحرمون الحلال حسب أهوائهم، ومصالحهم المفترضة في أذهانهم. كما لو كانوا ساسة يعلنون أن لا علاقة لهم بالدين، مع أنهم يتبجحون باستخدام الدين ليل نهار.
لقد رأيناهم يلبسون لبس النساء عند الهرب، ويعتمرون “باروكات” الشعر المستعار، عندما يفرون، ويتعاملون مع الشيطان إذا أرادوا، ويحرمون ذلك على غيرهم إذا كان ممن لا يوافقهم على مذهبهم. يستبيحون النساء، لقضاء وطرهم واستنفاد شهواتهم وغوايتهم. ولكل سوء عندهم تخريج، ولكل عبث مخرج، ولكل فساد تبرير.
جميع الحقوق محفوظة 2019