كان الأئمة في السابق أكثر قرباً من يوميات الناس!
كان الحي حميمياً أكثر مما هو عليه اليوم. أما الحديث الديني الذي درجت مساجد على إلقائه قبل صلاة العشاء فكان يدور حول التاريخ الإسلامي، وغزوات الرسول؛ أحاديث تقرب الناس من تاريخهم، ومن زمن نبيهم. اليوم تغيرت الحال، صار الخطيب كأنه زعيم حزب سياسي أو ديني. خطب من هنا وهناك عن أممٍ أخرى. يجيش الناس ضد أمم لا يعرفونها، أو مع أممٍ أخرى لا يمكنهم نجدتها. تحسب أحياناً أن الحديث الذي يلقيه بعض الأئمة، أو الخطبة التي يتلوها على المنبر يوم الجمعة بياناً سياسياً صدر عن وزارة الخارجية.
في التسعينيات برزت خطب تلقى على المسلمين البسطاء من المهندسين أو المعلمين وفيها كلام كثير حول “قطع العلاقات الديبلوماسية” مع تلك الدولة أو هذه، تسلل الخطاب السياسي إلى المسجد لأول مرة في نجد منذ بروز بعض الجماعات. ومع مجيء الإخوان ونفوذهم، وهيمنتهم على المساجد. هذه هي المشكلة.
المطالبة ليس أن يكون الخطاب الديني خالياً من أي موقف، ولا أن يكون مفرغاً من أي رأي، بل أن تتم “أنسنته” ليكون قريباً من الإنسان، وليس “مسيّساً” بحيث يكون فيه إدخال للمواطن العادي الموظف البسيط في قضايا سياسية شائكة. البعض من الخطباء طالب المصلين بـ”إعداد النفس للجهاد” يعني أن يترك الحلاق والخباز والنجار والمعلم والطبيب والصيدلي أن يترك كل أولئك أعمالهم ليذهبوا زرافاتٍ وواحداناً إلى أفغانستان أو العراق للقتال!
المطلوب أن ينتقل الخطاب الديني وخطاب المسجد والمنبر من “التسييس” إلى “الأنسنة”، من الكلام السياسي حول المفاوضات الفلسطينية وقضية أوسلو واللجنة الرباعية إلى يوميات المسلمين العادية، إلى الصلاة والزكاة والصدقة وحسن الجوار والخلق الحسن، هذه هي الأخلاقيات التي نفتقدها بكل أسف في “خطابات المسجد”… ليت وزارة الشؤون الإسلامية تعي هذه النقطة… ياليت!
بالأمس قال مدير عام الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بجازان الشيخ محمد منصور المدخلي: “هناك استراتيجيات وتوجهات جادة لتجويد وتحسين أداء خطباء المساجد والجوامع، الاستراتيجيات ليست منحصرة على مستوى الفرع بجازان وإنما على مستوى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ستتم تغطية جميع شواطئ جازان بمصليات متنقلة يضم كل مصلى سيارة مجهزة بمئذنة متحركة وأجهزة صوتيات وفرشات، ستتم إعادة تدريب وتأهيل الخطباء عن طريق الدورات والملتقيات العلمية وغيرها، كما سيتم إطلاق برنامج الأمن الفكري خلال شهر جمادى الآخرة القادم والذي يستهدف الشباب في المرتبة الأولى ليوضح لهم ما ينفعهم وينور أفكارهم ويوضح لهم حقيقة الفكر الضال”.
قلتُ: هذا الكلام جميل، سمعناه منذ 11 سبتمبر ولا نزال نقرأ مثله كثيراً، لكن قولوا لي، متى التنفيذ؟!