حينما حضرتُ حفل فيروز في بيروت قبل شهرين، كأنّ الناس على رؤوسهم الطير، لأن الموسيقى التي استخدمها الرحابنة مختلفة، مزيج من الشرق والغرب، أغان خفيفة وقصيرة كانت ضمن مسرحيات فيروز لكنها صارت تطلب بشكلٍ مستقل في كل حفل. الموسيقى تهذب الناس وتجعلهم أكثر هدوءاً وسلاماً. تمنيت أن الإذاعات العربية تقوم ببث الأغاني الخالدة التي صارت تاريخا للموسيقى الشرقية والعربية، مثل أغاني أم كلثوم أو فيروز، لأن الأغاني التي امتلأت بها الأسواق صارت مليئة بالاستسهال ولا طعم لها ولا لون ولا رائحة. بل ثقيلة على أذن الإنسان الطبيعي!
مبادرة عظيمة تلك التي قامت بها إذاعة BBC حينما قررت أن تستقبل العام الجديد ببث أعمال موزارت الكاملة على امتداد الأيام الاثني عشر الأولى من 2011. وسيكون ماراثون موزارت استمرارا لتقليد “راديو 3” الذي قدم في برامج سابقة الأعمال الكاملة لموسيقيين كبار.
الجميل في الخبر أن: “ماراثون موزارت في إذاعة BBC يتزامن مع صدور كتاب جديد يتناول فيه المؤلف إريك ليفاي كيف حاول النازيون تشويه إرث موزارت الموسيقي وتوظيفه في أيديولوجيتهم العرقية المسمومة. ومما يكشفه ليفاي في كتابه أن أكبر مهرجان موسيقي أقامه النازيون خلال فترة حكمهم لم يكن للاحتفاء بأعمال فاغنر أو بروكنر أو حتى بتهوفن وإنما الاحتفال الذي أقيم عام 1941 في فيينا لإحياء ذكرى موزارت بمناسبة مرور 150 عاما على وفاته”.
الموسيقى هي اللغة المشتركة بين المجتمعات، ولا يمكن لأمة أن تكون من دون موسيقى موروثة لأنها طبيعة إنسانية، والإذاعات الغربية اليوم تعلمنا العديد من الدروس في مجال البث الموسيقي، كلما أدرت المذياع ـ تلك الأداة التي أعشقها وأحبها ـ أشعر بالاستياء من هذا التردي في المعروض، من موسيقى أو برامج خفيفة أو مسابقات شبابية لا تهدف إلا إلى الربح من خلال اتصالات ورسائل المشاهدين، لأن الإذاعات أصبحت دكاكين تبحث عن الربح لا عن المادة الراقية.
قال أبو عبدالله غفر الله له: أتمنى أن يكون لدينا إذاعات تعنى بإحياء الإرث الموسيقي العربي، تكون إذاعة خاصة بالأغاني الكلاسيكية الخالدة، مثل أغاني فيروز وأم كلثوم، وأن نحتفل بفيروز وسواها من القامات الشامخة كما احتفل الأوروبيون بخلود موزارت وانتصروا له من تهمة النازية من دون ندوات أو محاضرت انتصروا له بإحياء تراثه!