ماذا يعني “المُلحق” بالنسبة للبيت السعودي؟!
الملحق – لمن لا يعرفه – عبارة عن غرفة تصغر أو تكبر تكون في زاوية من زوايا البيت، خارج البناء الأصلي للفيلا، لكنها ضمن سور البيت. هذا الملحق في الغالب، لا يسري عليه النظام الذي يسري على باقي البيت. كانت بعض العائلات التي تحرّم التلفاز والفيديو في البيت، لكنها لا تمانع أن يدخل الأبناء بهذه الأشياء بشرط ألا تتجاوز الملحق. وبعض الذين ابتلاهم الله بالتدخين لا تمكّنهم زوجاتهم من التدخين إلا في الملحق. وإذا حدث وكان الابن عازفاً للعود أو الربابة فلا يمكنه أن يعزف إلا إذا جلس في الملحق. وجد السعوديون في الملحق وسيلة لإبعاد ما يسوؤهم إليه، ليبقى الابن بعيداً قريباً.
يمكنني أن أصف الملحق بالنسبة للسعوديين بأنه فضاء الحريات… كان المتنفّس لمشاهدة كرة القدم، وللتدخين، وللعزف… بقي الملحق فضاءً للتحاور والتنابز ومشاهدة التلفاز ومكاناً للعب “البلوت” و “الكيرم”. الملحق في نهاية المطاف حل وسط بين ما يريده فرد من العائلة وما ترفضه بقية العائلة. وهو حل عقلاني بامتياز وحل يجسد التسامح الفطري داخل كل بيت سعودي.
إذا كانت العائلة تنام باكراً، فبإمكان الابن متابعة المباريات التي تبدأ متأخرةً في الملحق.
بعض الزوجات يطردن أزواجهنّ إلى الملحق في حال نشوب معركة على مصروف أو شراء فستان، وهي قضايا مصيرية توازي قضية المفاعل النووي الإيراني في بعض البيوت!
إن أي استعراض لتاريخ التسامح العائلي، لا بد أن يأخذ بالاعتبار حالة بناء “الملحق” كنموذج على شيء من وعي وعقلانية اتسم بها السواد الأعظم من السعوديين. كان بإمكانهم أن يطردوا أبناءهم لتتلقفهم الشوارع بكل أخطارها، لمجرد أن الأب يحرّم مشاهدة التلفاز أو متابعة المسلسلات، غير أن حكمة تأسيس الملحق كانت تعبر عن هدوء في التفكير ومنطق في التعاطي مع الأمور. لستُ مهندساً ولا أدري من هو أوّل من أسس الملحق، لكن الذي أعرفه جيداً أن الملحق هو بذرة للتسامح والحريات في السعودية كان يمكن أن تنمّى لتصبح طريقةً للتعاطي مع مختلف الأمور.
تكاد تنقرض ثقافة الملحق تلك، بعد أن أصبح الشباب يهربون من البيوت بعد تناول الغداء مع الأسرة، فيلجأون إلى الاستراحات ربما مكرهين بحثاً عن ملاذ أكثر رحابة وعن أصدقاء يتسامرون معهم. حلّت الاستراحة محلّ الملحق، لكن من دون أن تحافظ على مستوى التسامح الذي امتاز به الملحق ذلك المكان اللطيف المركون في زاوية كل بيت، ذلك أنه ورغم خروجه عن مبنى البيت، إلا أن مرتادوه يعلمون أنه ضمن سور البيت، فيعرفون حداً لما يمارسونه فيه… أما الاستراحات… فغطيني يا صفية، على رأي سعد زغلول، رحمه الله!
جميع الحقوق محفوظة 2019